الوجه الآخر للحقيقة
بشير فرزان
رغم احتدام المعركة بين آلام الناس وآمالهم المتخمة بالأعباء في ميادين تباطؤ العمل الحكومي، وضعف الأداء العام الذي تسبّب بنزيف حاد في شريان الحياة العامة، إلا أن ذلك لم يقطع حبل الودّ ما بين المواطن والجهات العامة، حيث تتكاتف الجهود في هذه الآونة لمواجهة التحديات المتزايدة والضاغطة مباشرة على لقمة عيش الناس، كما تتفق المواقف والآراء على أهمية التعاون والتنسيق والعمل الجماعي المبنيّ على أسس الشفافية بين المواطن والجهات المعنية التي يقع على عاتقها العبء الأكبر، المتمثّل بإيجاد الحلول ومعالجة كافة المشكلات التي تتكاثر نتيجة الحصار المفروض، والذي يقلّل بشكل أو بآخر من سرعة الخطوات والإجراءات المتخذة في مسارات تأمين المستلزمات وتوفير الاحتياجات الأساسية.
وطبعاً، رغم صعوبة الظرف وقساوة حياة القلّة والفقر، إلا أن ذلك لم يؤثر على التفاؤل والحرص على تدعيم مقومات النجاح والصمود، وخاصة مع وجود مواطن يعي ما يحدث ويدرك خطورة التحديات وأسبابها، ويغذي يومياته من معين الوطنية التي كانت وما زالت الداعم الأكبر والحاضنة الأهم للصمود خلال سنوات الحرب، وهناك أيضاً فريق حكومي لا يمكن الحكم عليه بالفشل والإخفاق والتشتّت كونه يسعى للتخفيف من وطأة الحرب وتداعياتها على المجتمع بكل السبل المتاحة، ويعمل على تحسين الواقع الناضح بالكثير من المنغصات.
ولاكتمال هذا المشهد الواقعي المتفائل لا بدّ من البحث عن مرتكزات واضحة المعالم له على أرض الواقع، بمعنى آخر لا بدّ من الإمساك بتلك المثبطات التي تحول دون تحقيق الأولويات التي كانت بوابات عبور للخطاب الحكومي إلى الحياة العامة، حيث تتراص الأرقام وتتراقص ملياراتها على دواليب الدعم التي باتت أقرب إلى دواليب اليانصيب منها إلى الخطط والميزانيات المتناسقة والمتطابقة مع حقيقة ما يجري في ساحات التنفيذ، فنتائج ما يتمّ تحت عنوان “أولوية” لا يطمئن أبداً، ويشير بكل وضوح إلى ضياع بوصلة القرار واستمرار عمليات التغطية على الكثير من القضايا والملفات التي نعتقد أنها باتت خارج السيطرة نوعاً ما، وذلك على إيقاع أداء مترنّح، وتحديداً ما يخصّ الواقع المعيشي والخدمي بأبسط متطلباته، ويتجاهل بشكل متعمّد حالة الاستياء التي تسود الشارع بعد إطلاق الوعود دون أن تحقق أهدافها تحت غطاء كثيف من الأعذار، سواء المتعلقة بالظرف العام أو بتلك المندرجة ضمن تصنيفات الخصوصية لكل جهة، وبشكل تنزلق معه مصلحة المواطن من غير رجعة إلى غياهب النسيان!
ما يجب التأكيد عليه أن التفكير الآن في إحياء كافة الأنواع الضربيبة، كما يُشاع، من خلال إصدار المزيد من القرارات التي تحاصر حياة المواطن وتصطاد دخله بشتى أنواع الضرائب وملاحقة رغيف خبزه، واستخدام أسلوب المباغتة لاحتياجاته وتعليقها على شبكات النت، كما يحصل الآن في موضوع السكر والتصريحات الصادرة من التجارة الداخلية حول ارتفاع الأسعار عالمياً وبشكل ينعكس على الأسعار المحلية.. لن يكون المسار الضامن للنجاة.
ولا شك أن استمرار تدهور الواقع المعيشي إلى هاوية الفقر المدقع سيبدّد أي محاولة لحشد الجهود على جبهات تقاسم المسؤولية بين المواطن والمؤسّسات الحكومية، والاعتراف المتبادل بالجهود التي تُبذل وبحقيقة ما يعانيه المواطن وما تقدمه الدولة له وفي كافة المجالات والمناحي، وبشكل يهدّد مشروع مكافحة الفساد وقوة الدولة وحضورها الذي هو نتيجة حتمية لإيمان المواطن وثقته بمؤسّساتها والتزامه بالقانون.
باختصار شديد.. الوجه الآخر للحقيقة يتمثّل اليوم بتنامي غير مسبوق للفساد الوظيفي والمجتمعي الذي يحصد المواطن نتائجه على مدار الساعة وفي مناحي الحياة كافة، وهذا ما يستدعي تقليص الصلاحيات الممنوحة والتخلي عن الكثير من الجهات التي يشكّل وجودها عبئاً على الخزينة العامة، فوقائع الحياة العامة تفرض تقليص النفقات والاهتمام أكثر بالضروريات على الصعيد المحلي، وبشكل يقلّل من تكاثر من يرى مصلحة الوطن من فتحات جيوبه فقط!!.