الزمن الملغوم
غالية خوجة
ماذا لو انعطفنا إلى مناقشة بعض النتاج الثقافي الفني المتنوّع الذي يدسّ السمّ في الدسم، تحايثاً مع منهجية بعض الجوائز والبرامج والمهرجانات والمعارض الأدبية والعلمية والفنية العربية والعالمية، خصوصاً، التخريبية منها؟.
ألا نكتشف الملغوم المخبوء كهدف استراتيجي بما يخدم الأهداف المؤدلجة المقنّعة بصيغة الأدب والفنون المختلفة، وهذا اللغم لن ينفجر بسرعة، بل ببطء، ليؤتي مفعوله على مرّ الزمان مثل قطرة الماء وهي تحفر الصخر.
لذلك، لا بدّ من تفعيل عقل الأمة العربية على المنابر الثقافية والفنية والإعلامية، والعمل على توثيق تأريخها الحقيقي، وتفعيل وعيها الحضاري في زمن الحرب بين الحقيقة واحتلال الحقيقة، لتكون النتيجة مضادة للتزييف الواقعي والتأريخي والمدني والحضاري. ولا بد من تفعيل دور القراء الواعين بالكمائن التي تُنصب لهم، ومنها الترويج للأهداف السوداء المدخرة في بنك غسيل الأدمغة، ولاسيما تلك الأدمغة الغضة من طفولة وشباب.
وتحتاج الأمة العربية في راهنها إلى إضاءة كيفية توظيف الرموز والأحداث والأفعال والكلمات والألوان، من قِبل المنظمات السوداء التي تروّج لها ولأهدافها التدميرية من الداخل، من داخل العقول، وطريقة التفكير الذاتية والاجتماعية، من أجل القضاء على ما تبقّى من ضوء واعٍ في العقول الكاشفة، لأن الأهداف السوداء لا تريد لهذه الأمة الوعي، بل المزيد من الدمار الذاتي، لمزيد من التفتت والتفتيت والشتات والتشتيت.
كثيرة هي الأقلام التخريبية التي باعت نفسها في كافة المجالات الأدبية والفنية والإعلامية، وكثيرة هي الأقلام التي استُدرجتْ بكافة الوسائل وتمّ الوصول إليها من بوابة الثقافة والفنون، وربما تورّطت في البداية دون أن تعلم، لكن، لماذا لم تتراجع بعد أن علمت أنها باعت نفسها وانتماءها بأبخس الأثمان؟!.
ومن الملفت أن هناك أفلاماً ومسرحيات وفيديو كليبات غنائية تحتفي بالإرهابيين من خلال الإكسسوارات المندغمة مع السينوغرافيا والتي لن ينتبه لها إلاّ من رحم ربي، وهناك برامج فنية ملغومة مخصّصة ليفقد طفلنا طفولته، وجيلنا الشاب مستقبله، فينجرف مع سلبيات العولمة وعاداتها المارقة، وينزح بتفكيره عن النور إلى سراديب الظلمات التي يكملها الفضاء الافتراضي بكافة وسائله ووسائطه وغرفه المظلمة، نعم اسمها المظلمة، وهو واضح جداً لمن يريد أن يفكر لمجرد جزء من الثانية، وبذلك يكون الذي يستهدف هذه الفئات واضحاً بتسمياته ومصطلحاته ورموزه، لكن المتلقي السلبي المستهلك لهذه الأدوات التكنولوجية لا يفكر لماذا تمّت تسميتها بهذا المصطلح وأخواته وأقاربه التي لا تُحصى.
ترى، كم عقل فكّر لماذا يسمّونه “الفضاء الأزرق”؟ ولماذا يعتمدون على الألعاب الإلكترونية في تخريب الوعي والعقول والأخلاق؟.. وكم من مسلسلات كرتونية وتلفازية وأفلام سينمائية تدعو إلى العنف والقتل بدم بارد والانتحار؟!. بينما هناك أجناس أدبية وفنية تدسّ الدمار من خلال العاطفة والتسول العاطفي والمادي والمحاكاة لتقاليد وعادات ليست من قيمنا الإيجابية، كما تدسّ المتغيرات السلبية ليتقولب معها القارئ غير المحصّن بالوعي والرموز المضادة للأهداف السوداء والبنوك التدميرية.
وبالمقابل، أين وعي الأمة النوراني المضاد؟ وكيف يتمّ تأهيل الوعي وتحصينه بالمعرفة ضد خبايا الأهداف التدميرية السوداء والبنوك الاستعمارية المتقنعة بالفنون والآداب والمهرجانات والجوائز والمعارض والتكنولوجيا؟.
علّمنا الله قيمة القلم وأقسم به وخصّص له سورة قرآنية كريمة، وعلّمنا أهمية الكلمة الطيبة، ومصير الكلمة الخبيثة التي ستجتثّ جذورها من الأرض لا محالة، لذلك، لا بد من تفعيل كلمة “إقرأ” بكافة دلالاتها المقروءة وغير المقروءة لمزيد من الكشف المضيء المضاد للظلاميات وبنوكها وأهدافها السوداء، ولا بدّ من تضافر الجهات المعنية بالتنوير لمحاربة هذه السموم، فهل من مدّكر؟.