دراساتصحيفة البعث

خرافة الاقتصاد الليبرالي.. روسيا ستكون القوة الاقتصادية القادمة

هيفاء علي

في عالم الاقتصاد، يعتبر الناتج المحلي الإجمالي وترتيب الدولة هو المؤشر الذي يستخدم غالباً لمقارنة اقتصادات الدول المختلفة. إلا أن عيب الناتج المحلي الإجمالي عند استخدامه في التصنيفات هو أن هذه الدول المعنية ليس لديها نفس العملة، ولا نفس معدل التضخم، والتحليل متحيز لصالح أولئك الذين لديهم تضخم أكبر وعملة أقوى. على سبيل المثال، مع الناتج المحلي الإجمالي الإسمي البالغ 1630 مليار دولار أمريكي في عام 2018، كانت روسيا هي الاقتصاد العالمي الحادي عشر، بينما حلت فرنسا بالمرتبة السادسة مع 2775 ملياراً.

وللتغلب على هذا القيد، أطلق الاقتصاديون الناتج المحلي الإجمالي بالتكافؤ مع القوة الشرائية التي تعتبر المؤشر الذي تستخدمه وكالة المخابرات المركزية منذ السبعينيات، ومع اقتراب هذا المؤشر من الواقع، يمكن الحصول على تصنيف جديد. وبحسب تصنيف صندوق النقد الدولي (بيانات 2018)، جاءت روسيا في المركز السادس بـ 4213 مليار دولار، وفرنسا العاشرة بـ 2962 مليار دولار، والتي يُقارن ناتجها المحلي الإجمالي بإسبانيا فهي متقدمة على فرنسا. بالإضافة إلى ذلك، كانت الصين القوة الاقتصادية الرائدة في العالم منذ عام 2014، عندما تفوقت على الولايات المتحدة الأمريكية.

تبلغ حصة الصناعات في الناتج المحلي الإجمالي الروسي حالياً أكثر من 30٪- 32٪ متجاوزة فرنسا والمملكة المتحدة. أكملت روسيا، التي شهدت تفكيك مجمعها الصناعي في نهاية الاتحاد السوفييتي، إعادة تصنيعها. وإذا استمرت الأمور على هذا الطريق، فستكون روسيا القوة الصناعية الاولى في العالم. ففي فرنسا ارتفع الإنفاق العام إلى 54٪ في عام 2019، و62٪ في عام 2020، و58٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021. أما في روسيا، فقد شكل الإنفاق الحكومي 33٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019، و32٪ في عام 2020، و32٪ في عام 2021، ووفقاً لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، فإن الإنفاق العام يساوي 47.9٪ من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة، و46.0٪ في اليابان، و52.4٪ في كندا في عام 2020، وهذا يعني بحسب خبراء الاقتصاد أن الاقتصاد الليبرالي هو خرافة، لأن الدولة تلعب دوراً رئيسياً في الاقتصاد، ولا يستطيع أي من الوكلاء الاقتصاديين الآخرين استبداله. وفي هذا السياق، فإن الاقتصاد الروسي أقل اعتماداً على الإنفاق العام من تلك الدول المصنفة عموماً على أنها الأكثر تطوراً، حيث لا يتم تحفيز أكثر من نصف الإنفاق من قبل السوق.

كانت روسيا دولة يمر اقتصادها بمرحلة انتقالية، وقد أطلقت خطة تنويع وتصنيع أتت ثمارها بدليل بعض الأرقام: بلغ معدل البطالة، بحسب منظمة العمل الدولية، في روسيا 4.3٪ في تشرين الأول 2021 و8.1٪ في فرنسا. فيما بلغ احتياطي النقد الأجنبي والصندوق السيادي 622.5 مليار دولار أمريكي و185.2 مليار دولار أمريكي على التوالي اعتباراً من 1 كانون الأول 2021. وليس لدى روسيا أي ديون خارجية صفرية فقد تم سدادها في عام 2017، ويبلغ دينها العام 17.5٪ في عام 2021. ما تظهره هذه الأرقام هو أن بخلاف الناتج المحلي الإجمالي على أساس تعادل القوة الشرائية، لا يزال الاقتصاد الروسي يحتل المرتبة السادسة، ويعد أحد أفضل الاقتصاديات إدارة في العالم، ومرشح للتفوق على ألمانيا بحلول عام 2025، خاصة إذا استمر الأخير في انتحاره النشط.

خلاصة القول، إن العالم قد تغير بشكل عميق خلال العشرين أو حتى العشر سنوات الماضية اقتصادياً. على الرغم من ذلك، لا تزال البروباغندا الغربية تدعي أن روسيا قوة ضعيفة أو بلد يعاني من مشاكل اقتصادية ضخمة، ويذهب البعض إلى حد القول إنها تمر بأزمة اقتصادية. ولكن إذا كان لدى روسيا ” الضعيفة اقتصادياً” مؤشرات اقتصادية تحسد عليها وحتى استثنائية، فماذا يمكن القول عن اقتصاد فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية؟.