“كاريدور” بين الاستيراد والتهريب
علي بلال قاسم
تحت شعار يتصدر “كاريدور” الولوج إلى ذاك المبنى الحكومي “الجمارك في خدمة الاقتصاد الوطني”.. راحت ذراع الدولة الضاربة ومنذ تأسيسها تشتغل على جبهات التحصيل الجمركي وتجفيف مداخل ومخارج التهريب عبر سلاحي الردع والمكافحة ومعالجة التداعيات السلبية على الإنتاج الوطني وسعر صرف الليرة السورية.
قد تكون خصوصية هذا القطاع الحساس هي الأساس في الإبقاء على الكتمان والبعد عن الأضواء، إلا أن النتائج والمفاعيل لطالما كانت واضحة، ولاسيما في تداعيات الاجراءات، وكثرة الجدل والاحتدام في وجهات النظر بين “الجمارك” من جهة وشرائح التجار والفعاليات على مستوى نقاشات الاجتماعات واللقاءات وفي ميدان المتابعة الروتينية أو ما يسمى بالحملات الفجائية التي يوسم بها موظفو ورجال الجمارك.
في سجل التعاطي مع ملف يحمل الكثير من النزيف الاقتصادي، ثمة لازمة تقول “بأن آليات مكافحة التهريب يجب أن تستهدف القضاء على أسبابه والحد منها “، وهنا نستحضر الكثير من الأصوات التي تتحدث عن الاستيراد المشرعن كحل جاء في الكثير من المحاضر الحكومية ضمن سياسة هادفة لمعالجة أسباب ظاهرة التهريب مع ضرورة إعادة النظر بنسبة الرسوم المفروضة في التعريفة الجمركية النافذة على بعض السلع الضرورية التي ليس لها مثيل منتج محلياً، ولا تخلو الكثير من الدراسات التي قدمت على طاولة الحكومة من مطالب أو مقترحات تتعلق بإعادة النظر بالقيم الاسترشادية للبضائع المسموح باستيرادها التي لها مثيل منتج محلياً في ضوء عدم كفاية المنتج المحلي منها لتلبية احتياجات المجتمع حالياً.
يدرك العارفون ببواطن هذا الملف أن التصريح في البيانات الجمركية عن البضائع بشكل غير مطابق لواقعها سواء من حيث النوع أو الكمية أو القيمة أو المنشأ بقصد التخلص كلياً أو جزئياً من تأدية ما يتوجب من رسوم عنها، لا يعد تهريباً بل مخالفة جمركية قابلة للقمع وفق أحكام قانون الجمارك، أما التهريب المتمثل بإدخال البضائع أو إخراجها خلافاً لأحكام قانون الجمارك عن غير طريق المنافذ الحدودية النظامية، فإن أسبابه تقليدية ومعروفة أولها التهرب من تأدية ما يتوجب من رسوم، والسبب الثاني إدخال البضائع الممنوعة بالاستيراد أو المحصور استيرادها بجهات معنية أو المقيد استيرادها بشروط.
ولأن الضابطة الجمركية تعمل على مكافحة التهريب ضمن النطاق الجمركي، فإن وقوع جزء من أراضي النطاق خارج سيطرة الدولة سبب شبه استحالة مسك الضابطة على أراضي النطاق، وهنا ثمة كلام من صلب هذا الجهاز يقول بضرورة تعديل استراتيجيات الجمارك لمكافحة التهريب بآليات ذكية تستهدف ضبط البضائع المهربة بعد دخولها المدن من خلال ترصدها من لحظة إدخالها وتعقبها لحين إيداعها في المستودعات، وإن كان ذلك لا يخلو من الصعوبة إلا أنه يتم حالياً حيث تقوم الجمارك بتحليل المخاطر وتركيز الحراسة والمفارز لترصد البضائع المهربة وتعقبها بدلاً من نشر المفارز الجمركية -لا على التعيين- بهدف تركيز الجهود وتفعيلها في مواجهة الهدف خاصة مع وجود جهاز استخبارات يقوم على مكافأة المخبر بجزء هام من الغرامة.
ومع أن الحديث عن حل سحري لوجع التهريب يعد ضرباً من “الشطح”، إلا أن للأتمتة الموطنة دور في الرقابة التي تتيح للإدارة المركزية الاطلاع على البيانات بشكل مركزي ويومي والتحكم بها عن بعد من حيث إيقاف تسيير البيان عند وجود شك أو شبهة أو إخبار وإتاحة تحليل المخاطر التي تستدعي تكثيف الرقابة والتفتيش الدقيق على البضائع المستوردة.
ويعترف الفريق الجمركي بأنه رغم أهمية ما سبق لكنه ليس كافياً لمعالجة الأسباب الحقيقية للتهريب أو التهرب من تأدية الرسوم والتي تكمن في سياسة منع الاستيراد أو تقييده وكذلك في النسب المرتفعة للرسوم المفروضة على الاستيراد والتي تعادلها القيمة المرتفعة المحددة كحدود دنيا لقيم بعض المستوردات “الأسعار الاسترشادية ” التي لها مثيل منتج محلياً كالألبسة أو الأصناف الكهربائية الجاهزة.
بالعموم، وفي زبدة الحديث عن منع الاستيراد بهدف حماية الإنتاج الوطني، فإن المطلوب بالدرجة الأولى إجراء مسح ميداني للتحقق من كفاية الإنتاج الوطني لسد حاجات السوق المحلي لأن عدداً كبيراً من المعامل توقفت عن الإنتاج علاوة على أن حالة الحرب الطويلة لا يستقيم معها وقف استيراد البضائع التي وإن كانت تعد مبدئياً كمالية إلا أنها من الناحية العملية ضرورية وتشكل مادة أساسية للتهريب.
ومع ذلك.. فإن أكثر النقاط خطورة هي الإحصائيات التي تعترف بها الجمارك بهدف تحليل المخاطر، والتي أثبتت أن أكثر البضائع تهريباً هي الممنوعة بالاستيراد وتلك المقترنة برسوم مرتفعة وكذلك بأسعار استرشادية مرتفعة.