الـ “لوك” على حساب السينما
تُحبس الأنفاس مع انطلاق أي مهرجان سينمائي أو فني أو درامي، بل ربما قبل ذلك بشهور عدة، ليس من باب الفضول لمعرفة الأفضل في كل مجال، بل لمعرفة ماذا ترتدي الفنانات المشاركات والمكرّمات و”الضيفات” في كل يوم من أيام المهرجان، ومن منهن ستسقط بسبب متري قماش – أو ثلاثة – كانت تسير على خطاها لكنها تاهت وأخطأت المسير وصارت تحت كعب حذائها لترتمي أرضاً، أو تصبح في حضن من يقابلها، أو تستند إلى من يسير إلى جانبها، لتصبح حديث البرامج الفنية في كل القنوات المحلية والعربية لأيام وشهور وأعوام أيضاً، لأن أية حادثة من هذا النوع للفنانة نفسها ستذكر مع كل دورة، ولأن بعض هذه البرامج تجترّ السقطات والحوادث اجتراراً، مثلها مثل صفحات التواصل الاجتماعي التي تعيد نشر مقاطع فيديو تعود لسنوات طويلة وكأنها اليوم لغاية غير بريئة.
لا تستثني هذه الأخبار الجنس الآخر، بل تنتظر قصة شعره واسم مصمم بذته ورفيقته في السير على السجادة الحمراء – إن وجدت – وعلاقته الشخصية: هل لا يزال عصفوراً طيّاراً أم أن هناك فتاة سرية يواعدها وفق ما تسرّب من معلومات، لدرجة أن البعض صار يعتمد الغرابة في اللباس وفي قصة الشعر وموديلاته من أجل أن يحصد شهرة زائفة كهذه، كما أنها لا تستثني فنانين كباراً في العمر والتجربة والخبرة، بل على العكس تماماً هكذا برامج تعدّ حدثاً يخص فناناً مخضرماً مادة دسمة، لاسيما إن ترافق هذا الحدث بتصريح أدلى به على عجالة.
حوادث من نوع آخر انتشرت أخبارها أكثر من الأفلام المشاركة في هذه المهرجانات، كالحريق الذي نشب في القاعة الرئيسة قبيل افتتاح مهرجان الجونة السينمائي العام الفائت بليلة واحدة، وعلى إثره استقال مديره الفني، حسبما ذكرت وسائل إعلام مصرية وعربية، على الرغم من مشاركة نحو ثمانين فيلماً متنوعاً بين الروائي والطويل والقصير والوثائقي وأفلام العروض الخاصة لم تأت معظم المواقع آنفة الذكر على الوقوف عندها ولو بمختصر مفيد إلا فيلماً واحداً دارت حوله نقاشات كثيرة ولم تصل إلى نتيجة تذكر.
وعلى خلاف “الجونة”، انطلقت الدورة الثانية والثلاثون لمهرجان “أيام قرطاج السينمائية” تحت شعار “نحلم لنحيا” بمشاركة خمس وأربعين دولة عربية وأفريقية في مختلف المسابقات، وبحفل افتتاح مميز اصطحب عدد من نجوم السينما في تونس، حين مرورهم على السجادة الحمراء، أطفالاً يعانون متلازمة داون في مبادرة لإشراكهم في هذه التظاهرة، إضافة إلى ذلك سُمح ـ أول مرة ـ لعدد من المساجين بحضور العروض وتنظيم عروض أخرى لهم داخل السجون، واللافت أكثر هو ارتداء بعض الفنانين التونسيين الزي التقليدي (القفطان) في حفل الافتتاح، ومثلهم فعلت الفنانة السورية سلاف فواخرجي في دورة سابقة، ربما لأجل ذلك لم يلق هذا المهرجان الحصة التي يستحق في تلك البرامج، إذ لا “أحداث مهمة تذكر” من شاكلة السقوط والحريق والتنمر والقبلات كالتي يتحفنا بها بعض المشاركين والمشاركات على الهواء مباشرة، كما حصل منذ أيام بمهرجان حديث الولادة في بلد لا سينما فيه أصلاً، والذي شارك فيه بعض الفنانين السوريين.
في الصورة المرفقة بهذه المادة، سيدة بريطانية تشاهد فيلم “فروزن 2” بتسريحة شعر حجبت الرؤية عن سيدة أخرى كانت تجلس خلفها مع أطفالها وتدعى “ايلي هنسبي”، ما دفعها إلى التقاط توثيق اللحظة أو الحادثة إن أمكن القول، ونشرها على شبكة التواصل الاجتماعي مذيلة بعبارة: “كان من دواعي سروري مشاهدة رأس وشعر هذه السيدة أمس بينما أشاهد مع أطفالي فيلم فروزن 2″، مطالبة المعنيين بتحديد تسريحة الشعر المناسبة لدخول صالات السينما، أو رفع المقاعد تجنباً لهكذا مواقف، وبالطبع نحن لا نطالب بتحديد الزي الذي يرتديه الفنانون والفنانات، ولكن نأمل أن يتم تسليط الضوء على الأفلام من حيث مواضيعها ونصها وإخراجها وأداء الممثلين كالاهتمام بأدائهم على السجادة الحمراء، ليس فقط من باب تعريف جمهور السينما بهذه الأعمال، بل من باب تشجيع غيرهم على الحضور والمتابعة، وخلق ثقافة سينمائية ولو غير معمّقة لديهم أسوة بالفنون الأخرى، لأن هذا الفن في أصله لم يثبت قواعده بعد لا محلياً ولا عربياً، ولايزال يجترّ في جزء كبير منه تجارب غربية، فما ترصده مؤسسة سينما في بلد عربي لفيلم ما لا يتجاوزـ أو ربما يساوي- ما يصرف على تصوير “فيديو كليب” لأغنية لفنانة صاعدة، لذلك دعونا نشدّ المآزر كما قالت في عصر خلا الشاعرة الخنساء: شدوا المآزر حتى يستدف لكم وشمّروا إنها أيام تشمار.
ونستشهد هنا بالشعر لدعم السينما، لأن الفنون كلها في خدمة بعضها، وربما هذا ما لا يوظّفه بعض القائمين على هذه المهرجانات وحفلات افتتاحها والمشاركين فيها، ولأن مآزر الكثير على هذه السجادة غير محكمة الإقفال.
نجوى صليبه