المنظمات الدولية “الإنسانية” تنأى بنفسها عن أحداث الحسكة
إسماعيل مطر
لعل من المستغرب أن تقدم المنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني، والتي من أولى أهدافها ومهامها التدخل أثناء النزاعات والحروب ومساعدة المدنيين، مهما كانت صفتهم أو عقيدتهم أو اتجاههم السياسي، على النأي بنفسها عن التدخل لمساعدة المدنيين في مدينة الحسكة. فعلى الرغم من مرور أكثر من عشرة أيام على أحداث سجن الثانوية الصناعية جنوب المدينة، والذي جرت فيه المسرحية الهزلية بين “قسد” و”داعش”، وكان من نتائجها المباشرة هدم وتجريف منازل المواطنيين في حي غويران الشرقي، والعمل على تهجيرهم قسرا بذريعة ملاحقة إرهابيي “داعش”، أو البحث عن خلايا لهذا التنظيم الذي ترعاه وتدعمه وتخطط له داعمة الارهاب العالمي “أمريكا”، فإن استجابة هذه المنظمات، خلال عملية نزوح أهالي حيي غويران والزهور، لم ترق إلى الحد المطلوب، “لكننا سنعمل فيما بعد على تلافي التقصير الذي حصل، وستستمر المنظمة بالتعاون مع الشركاء لتقديم كل ما هو ممكن من دعم، ونعد بأن الاستجابة ستكون أكثر فاعلية مستقبلاً”، كما حاولت السيدة ناتاشا بينت، مديرة مكتب اليونيسيف، إيجاد المبررات خلال لقائها محافظ الحسكة، وهذا الاعتراف ورد على لسانها حرفياً.
أندريا باسكاريلي، مدير مكتب اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الحسكة، ذهب في التبريرات إلى نهايتها، كاشفاً خلال لقاء منفصل مع المحافظ، أن المسألة في وارد نقص الإمدادات، وأن “الوضع الذي حدث مؤخراً في الحسكة كان وضعاً استثنائياً، ولم نستطع تقديم كل ما هو ممكن للنازحين، لأننا نعاني من نقصٍ كبيرٍ في المواد”، وأشار إلى أن “هناك 70 شاحنة جاهزة في دمشق للانطلاق إلى محافظة الحسكة”، في وقت كانت بعض المنظمات الدولية تلتقط الصور التذكارية أمام خزانات المياه في حي غويران المحاصر، وهي تملؤها بالمياه، في محاولة لتسجيل إنجازات على حساب معاناة الأسر المنكوبة، فيما كان الأولى بها أن تدخل الحي مع بدء “الفوضى المخطط لها”، والتي جرى التواطؤ عليها “أمريكيا وقسديا وداعشيا”، والمبادرة على الأقل لإسعاف المدنيين وتأمين الخبز والماء لهم، كأبسط ما يمكن القيام به، وإبعاد الأطفال والنساء عن النيران..
حقيقة، هناك جميعات وفعاليات حكومية وأهلية ومجتمعية كان لها دور بارز من خلال تأمين مراكز الإيواء والعمل على تخديم قرابة 5 آلاف نازح، إضافة لاستضافة المجتمع المحلي لنحو 10 آلاف من النازحين والمهجرين في مركز المدينة، أو في الأحياء الأخرى الأكثر أمنا. ولعل هذه الصفة ما يتميز بها النسيج الوطني السوري، الذي حاول – من حاول – ضربه واستهدافه، ولكنه كلما تعرض للشدائد والمحن يزداد قوة وصلابة وتماسكاً.. هذا المجتمع الذي تربى بالفطرة على المحبة والسلام والإخلاص للوطن، ولعل السمة الأبرز لهذا المجتمع أنه لا يعول كثيرا على ما تجود به هذه – أو تلك – من المنظمات الدولية التي لطالما تطيل التغني بأهدافها، والتي حيدت نفسها منذ بداية الفوضى التي تواطأت على إشعالها كل من أمريكا و”قسد”.
Ismael72 mattar@gmail.com