انفصال عن الواقع
أحمد حسن
ربما لا يوجد تعبير أكثر “لياقة” من تعبير الانفصال عن الواقع لوصف اجتماع بعض ما يسمى بالمعارضة السورية في “الدوحة”، هذه الأيام، سواء لنوعية الأسماء المحروقة والمكررة والمملة والتابعة التي حضرت، أو للرعاة المباشرين، وغير المباشرين، بأجندتهم السابقة ذاتها، وكأن لا أشياء جديدة عبرت نهر المنطقة، وبحر العالم، منذ لحظة الرهانات والأوهام الكبرى عام 2011.
والحال، فإن الانفصال عن الواقع تمثّل بداية في قول أحد مسؤولي هذه الكيانات، المصنعة خارجياً، إن من المهم، في هذا الاجتماع “توجيه رسالة إلى كل السوريين والاستماع إلى ما يريدونه ووضع خطة جديدة على هذا الأساس”!! وتلك، في حقيقتها، جملة “دونكيشوتية”، بالمعنى السلبي، تشي علناً باستمرار الأوهام السابقة ذاتها، وأولها وهم الحديث باسم السوريين جميعاً، فيما لم يسمع أحد، لا الآن ولا سابقاً، أن السوريين وكلّوا أو انتخبوا أحداً منهم للحديث باسمهم وتمثيلهم في أي مكان؛ وبالتالي، فإن الشق من كلامه المتعلق بتوجيه رسالة لكل السوريين قد يكون صحيحاً، لكنها الرسالة الممجوجة و”الدموية” ذاتها التي أُرسلت سابقاً، فيما الشق الثاني المتعلق بـ “الاستماع إلى ما يريدونه” جاء من نوع المضحك المبكي، فـ “السوريون”، الذين لم يفوضوهم، ابتداء، يعلمون انتهاءً، وجيداً، أن لكل فرد من المجتمعين مرجعيته، بل ووليّ أمره، وكفيله الخارجي، الذي لا يستمع إلا إليه، وبالتالي فليس الحديث عن “الإرادة” هنا إلا وهماً آخر، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن السوريين يعلمون أيضاً، ومعهم بقية العالم، أن هذا الاجتماع بحد ذاته، أي اجتماع الدوحة، لم يحصل لداع سوريّ ملحّ، بل عُقد بأمر خارجي لـ “لمّ شمل الشامي على المغربي” من أطراف متصارعة ومتباينة، في سياق صراع شبه علني بين أجهزة مخابرات عربية ودولية للاستحواذ والتفرد بقرار هذه المجموعات عبر محاولة وضعها تحت سيطرة شخص محدد، وبالتالي جهة إقليمية محددة، وهذا هو سر “الهيصة” كلها.
والأمر، فإن هذا الصراع والتباين “المخابراتي”، بالتحديد هو ما حوّل الاجتماع عن هدفه الأول كلحظة “تأسيس” جديدة، حسب البعض، إلى مجرد “ندوة لتوليد أفكار” وتداول آراء، وهذا تعبير بين عن مدى التبعية من جهة أولى، وعن افتراق مصالح الجهات الراعية وأجنداتها – رغم توافقاتها على استغلال السوريين – عن مصالح السوريين الحقيقية.
أما اختيار “المكان” للاجتماع فكان التعبير الأمثل عن “الانفصال عن الواقع”، لأن “مكاناً” لم تتم فيه انتخابات عبر تاريخه، إلا واحدة صورية أخيراً تحت ضغط السيد الأمريكي، ليس له أن يدفع السوريين نحو هذه الميزة؛ و”مكان” لا يعرف سوى الخضوع للجالس في البيت الأبيض ليس له أن يعلّم السوريين الحرية والاستقلال؛ والأهم من كل ذلك أن “مكان” دعم، بكل ما يملك – وباعتراف رئيس وزرائه السابق – الإرهاب الذي ضرب السوريين، ليس له، بالطبع، أن يساعد على العمل على “تخفيف معاناة الشعب السوري”.
والحق، فإن الثابت في الأمر أن الواقع السوري في واد وجماعة الفنادق في واد آخر. أما هواة هذا النوع من “العروض” ومن يريدون أن يعرفوا خواتمها، فعليهم ألا يضيعوا وقتهم في الانتظار، بل أن يحاولوا فقط القراءة في تسريبات أوراق الجهات المخابراتية الراعية لهم، أما من يريدون أن يعرفوا الواقع حقاً، كما كان وكما هو كائن، فليس لهم إلا دمشق..