تعديل مناطق الاستقرار الزراعي باعتماد “حوض العاصي” كمنطقة رائدة
دمشق- بشار محي الدين المحمد
بيّن الباحث في الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية السورية، الدكتور محي الدين كلخه في تصريح خاص لـ”البعث” أنه تمّ ومنذ عدة سنوات رصد انزياح في مناطق الاستقرار الزراعي في حوض العاصي، نتيجة التغيّرات المناخية الحدية، بالاعتماد على 69 محطة مناخية داخل الحوض وخارجه، باستخدام تقنيات نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد(GIS/RS) ولمساحة 17410كم2، وبيّنت نتائج التحليل المكاني لخريطة متوسط الهطل المطري السنوي للحوض أن أدنى متوسط للهطل المطري يتراوح بين 72- 200مم في الجزء الجنوبي والشرقي للحوض، وأعلى متوسط للهطل يتراوح بين 600-1663مم في الجزء الشمالي الغربي منه، كما بيّنت التحاليل الإحصائية الجغرافية عدم خضوع قيم معدلات الهطل لمنحنى التوزع الطبيعي بسبب التباين الحاد بين معدلات الهطل، إضافة إلى ذلك فقد بيّنت الخرائط الهيدرولوجية وجود 15 نقطة صرف توزعت على مجرى النهر، وتركزت بشكل أساسي في سهول حماة والغاب، والتي تنبع أهميتها في الاستفادة منها في الدراسات المائية كمواقع واعدة للسدود التجميعية، وخطوط الصرف الواقعة بشكل أساسي على طول خط مجرى نهر العاصي.
وأشار كلخه إلى أن البلاغ الأول للتغيّرات المناخية في سورية أظهر أن الحرارة تغيّرت بمقدار ارتفاع نصف درجة مئوية، وانخفض الهطل بمقدار -10 ملم، وهذا التغيّر قد أثر بشكل أو بآخر على تقسيم مناطق الاستقرار الزراعي في كلّ سورية، والتي تعتمد على معدلات الهطل المطري بشكل أساسي، والذي تمّ اعتماده في عام 1968 ويقسم سورية إلى خمس مناطق استقرار زراعية، الأولى أمطارها أكثر من 350 مم سنوياً، وتقسم إلى قسمين منطقة معدل أمطارها ما فوق 600 مم سنوياً وتكون الزراعات البعلية فيها مضمونة فيها سنوياً، ومنطقة أمطارها بين 350–600مم سنوياً يمكن فيه ضمان موسمين ضمن كل ثلاث سنوات، والثانية معدل أمطارها بين 250-350مم سنوياً، ويمكن فيها ضمان موسمي شعير كل ثلاث سنوات، ومنطقة ثالثة معدل أمطارها يزيد عن 250 مم سنوياً، ويمكن فيها ضمان موسم إلى موسمين كل ثلاث سنوات، ومنطقة رابعة معدل أمطارها بين 200-250مم، ولا تصلح إلا لزراعة الشعير أو المراعي الدائمة، ومنطقة خامسة، وهي كلّ ما تبقى من أراضي القطر ولا تصلح للزراعة البعلية.
وأشار الباحث إلى ضرورة الاهتمام بتقسيم مناطق الاستقرار بدقة، لأن ذلك يؤمّن الرؤية الواضحة لدراسة إمكانية التوسّع الزراعي في الزراعات البعلية، سواء أكان ذلك في مجال المحاصيل الحقلية والأشجار المثمرة، أم الحراج، ويعطي الصورة الصحيحة لما يجب أن تكون عليه الدورة الزراعية في المناطق التي تجود بها مثل هذه الزراعات، لافتاً إلى أن هذا التقسيم وللأسف لم يعد مناسباً نتيجة التغيّرات المناخية التي شهدها القطر على مدار أكثر من خمسين سنة مضت على وضعه، وما رافقها من انزياح للخطوط المطرية، إضافة إلى اعتماد هذا التقسيم على مؤشر وحيد هو الهطل المطري، متجاهلاً العوامل الأخرى ذات الأهمية كالطبوغرافيا، والتضاريس، والارتفاع عن سطح البحر، وظروف الترب، والظروف الهيدرولوجية، وكذلك محدودية البيانات التي اعتمد عليها.
وركز الباحث على أهمية إجراء رصد الانزياحات الحاصلة في حدود مناطق الاستقرار الزراعي بشكل مفصّل وتحديد منطقة رائدة، وبشكل آنيّ، كمقدمة لإعادة تقسيم القطر مناطقياً بالاعتماد على كل المعطيات المناخية والبيدولوجية والبيولوجية المستوعبة لحقائق القطر ومقوماتها البيئية الراهنة، وعلى هذا فقد تمّ اختيار منطقة حوض العاصي كمنطقة رائدة لرصد الانزياح في حدود مناطق الاستقرار الزراعي باعتباره من أحد أهم الأحواض الزراعية في سورية، كما أن سيادة المناخ المعتدل ومعدلات منتظمة من الهطل المطري تجعل من المحاصيل الإستراتيجية كالقمح، والقطن، والشوندر زراعات رئيسية في الحوض، كما تنبع أهمية هذا الطرح من عدة أسباب كبروز مشكلة التغيّرات المناخية، وتأثيراتها السلبية على الموارد المائية، وانخفاض معدلات الهطل المطري المرتبطة بتوزع نمط المحاصيل الزراعية، ورصد انزياح حدود مناطق الاستقرار الزراعي في حوض العاصي كنتيجة لتأثير التغيّرات المناخية السلبية على الموارد المائية باستخدام نظم المعلومات الجغرافية ـGIS وتقنيات الاستشعار عن بعد RS.
وأشار كلخه إلى أنه تمّ إجراء التحليل المكاني لخريطة الهطل المطري، وخريطة مناطق الاستقرار الزراعي مع الخريطة الهيدرولوجية لحوض العاصي، والتي أوضحت إمكانية الاستفادة من معدلات الهطل المطري للمناطق التي تمّ فيها انزياح لخطوط مناطق الاستقرار، بالاعتماد على تقنيات الحصاد المائي في هذه المنطقة، للحفاظ على ديمومة الزراعات البعلية في هذه المناطق، تلافياً لفشل مثل هذه الزراعات في سنوات الجفاف.