روسيا تفتح الأبواب أمام تكامل إيران مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي
البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة
بهدف تعزيز العلاقات الثنائية بين روسيا وايران، وصل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في 19 كانون الثاني الماضي في زيارة رسمية للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين في موسكو. وشملت نقاط الحوار بين الزعيمين القضايا الإقليمية والدولية المشتركة، ومفاوضات فيينا بشأن البرنامج النووي الإيراني والتعاون الإقليمي في أوراسيا. ومع أن الزيارة لم تنته بالإعلان عن اتفاقية استراتيجية كبرى، مثل تلك التي وقعت بين الصين وإيران قبل عام، إلا أنها دفعت بالمفاوضات بين الطرفين إلى مستوى أعلى، وسهلت اندماج إيران الاقتصادي في الهندسة الروسية الصينية الأوروبية الآسيوية.
توقعات كبيرة
في السنوات الأخيرة، أصبح تحسين العلاقات بين طهران وموسكو والتركيز على الشراكة الإستراتيجية ذا أهمية كبيرة بشكل خاص بالنسبة لإيران. فإلى جانب العمل على تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية – وهي أولوية بالنسبة لإيران المثقلة بالعقوبات – يمكن لهذه العلاقات إعطاء دافعاً إضافياً لتطوير التفاعل العسكري السياسي في المستقبل.
في تشرين الأول عام 2021، نقلاً عن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، أعلنت وكالة الأنباء “إنترفاكس” أن طهران مستعدة لبناء شراكة إستراتيجية مع موسكو، وأنه من المتوقع أن يوقع الطرفان وثائق اتفاق في الأشهر المقبلة.
وبحسب “وكالة تاس”، فإن الجانبان على وشك انجاز وثيقة حول التعاون الشامل لمدة 20 عاماً، كما صرح رئيس اللجنة البرلمانية الإيرانية للأمن القومي والسياسة الخارجية، مجتبى زنور، لوكالة “مهر” للأنباء أنه من أجل تخطي العقوبات الأمريكية، تسعى إيران إلى اتفاقية شراكة مع روسيا، والتي ستكون مماثلة للاتفاقية بين طهران و بكين. لكن بحسب المصادر، فإن هذه العملية قد تستغرق بعض الوقت.
ومع ذلك، كان للحدثين اللذين شاركت فيهما روسيا وإيران كالتدريبات البحرية المشتركة بين روسيا والصين وإيران في المحيط الهندي، وعلاقات إيران مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، بالإضافة إلى إنشاء ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب، صدىً كبير .
هل ستنضم إيران إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي قريباً؟
يقول المحلل السياسي الإيراني ورئيس التحرير السابق لوكالة أنباء فارس، مصطفى خوششم، تتطلع روسيا للدفع قدماً من أجل دخول إيران إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، مضيفاً أن “المفاوضات جارية بالفعل”.
ففي عام 2019، دخلت اتفاقية التجارة التفضيلية، الموقعة بين إيران والاتحاد الاقتصادي الأوراسي في 2018 حيز التنفيذ، حيث قدمت الاتفاقية تعريفات أقل على 862 نوعاً من السلع، منها 502 نوعاً من الصادرات الإيرانية إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي. ونتيجة لذلك، تجاوز حجم التجارة في الفترة الممتدة بين تشرين الأول 2019 وتشرين الأول عام 2020 الـ 84 بالمائة.
وبحسب فالي كاليجي، الخبير الإيراني في مركز دراسات آسيا الوسطى والقوقاز، فقد تحقق هذا الحجم من التجارة في وقت انسحبت فيه الولايات المتحدة، في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، من خطة العمل الشاملة المشتركة في آيار 2018، بعد أن اتبعت سياسة “الضغط الأقصى” ضد إيران.
في تشرين الأول 2021، بدأت إيران والإتحاد الاقتصادي الأوراسي التفاوض على ترقية منطقة التجارة الحرة إلى اتفاقية التجارة التفضيلية، الأمر الذي سيؤدي في حال تحقيقه إلى زيادة هائلة في حجم التجارة بين إيران والإتحاد الاقتصادي الأوراسي.
في الحقيقة، لدى كل من موسكو وطهران أسباب للضغط من أجل زيادة اندماج إيران في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي. فبالنسبة لإيران، ستوفر هذه الفرصة سبلاً أفضل للوصول إلى الأسواق الأوروبية الآسيوية، كما ستوفر للدول الأعضاء في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي زيادة فرص الوصول إلى الخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط. ولهذا السبب، ربما تفكر موسكو في اتخاذ خطوة للأمام.
في الواقع، تعتبر موسكو توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع إيران خطوة حاسمة لدخول إيران إلى الاتحاد، لذا فهي مهتمة في تسريع اندماج إيران في المؤسسات الإقليمية الأوروبية الآسيوية.
فتح بوابات العبور بحكمة
مع انضمام طهران إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، قد تحذو حذوها الدول المجاورة والصديقة، مثل العراق وسورية، وسيكون لدى روسيا بعد ذلك خط سكة حديد وطريق سريع مباشر عبر إيران إلى قاعدتها العسكرية الساحلية في طرطوس، الأمر الذي يمكن أن يخدم أهدافها العسكرية على المستوى اللوجستي والتشغيلي في حالة حدوث أزمة في البحر الأسود، وتحديات أمام البحرية الروسية.
في 27 كانون الأول 2021، وافقت إيران والعراق على بناء خط سكة حديد يربط بين البلدين، حيث سيكون خط السكة الحديد الذي يبلغ طوله 30 متراً، مهماً من الناحية الإستراتيجية بالنسبة لإيران، إذ أنه يربط البلاد بالبحر الأبيض المتوسط عبر سكك الحديد العراقية وسورية.
ومن الجدير بالذكر، ستشكل هذه الخطوة وضعاً مريحاً لكل من الصين وروسيا، فبالنسبة للصين من خلال مبادرة الحزام والطريق، ولروسيا عبر الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب، الذي سيكون مباشراً للسكك الحديدية إلى البحر الأبيض المتوسط.
لذا، يُعد تعزيز موقع إيران الجيوسياسي والجيواقتصادي في المنطقة خطوة مهمة لكل من الصين وروسيا. فمن منظور روسي، سيعزز وجود طريق بري مباشر عبر بلاد الشام إلى البحر الأبيض المتوسط قاعدة قوتها في المنطقة، ويوسع قوتها الناعمة من خلال صفقات التجارة والطاقة داخل البلدان المجاورة.
ولهذا السبب تصرفت إيران بحكمة ضد الاستفزازات الأذربيجانية الأخيرة على الحدود الأرمينية، فكان أحد شواغل طهران الرئيسية وصول تركيا المباشر إلى بحر قزوين وآسيا الوسطى من خلال “ممر” محتمل يمر من جنوب أرمينيا، والذي يُعرف باسم “ممر النقل الدولي” العابر لبحر قزوين، والذي يربط أوروبا بآسيا الوسطى عبر تركيا.
بالنسبة لإيران، سيكون هذا مساوياً لتوسع الناتو في بحر قزوين ولمسافة أبعد نحو الصين. وبالتالي، فإن طريق التجارة بين الغرب والشرق سيشكل تهديداً خطيراً لإيران وروسيا ويعزلهما في أوراسيا. كما أنها ترى، أن هذا المسار لن يتجاوز إيران وروسيا فحسب، بل سيفرض أيضاً تحدياً خطيراً على طريق التجارة بين الشمال والجنوب الذي بدأه الإيرانيون والروس ودول آسيوية أخرى.
وبحسب خوششم، دفعت عداوت الكتلة الغربية إيران وأوراسيا بزيادة التقارب من بعضهما البعض، وقد أعطى ذلك دفعاً قوياً للروس والصينيين لتسريع انضمام إيران إلى الكتلة الأوراسية للتوصل إلى تعاون مشترك في المجالات الاقتصادية والجيوسياسية ومنع تغلغل الولايات المتحدة في المنطقة، وبالتالي فإن دخول إيران إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي هو وضع مربح لكل من موسكو وطهران، حيث ستعزز روسيا موقعها الجغرافي الاقتصادي والجيوسياسي في الشرق الأوسط، وسيكون لإيران خط سكة حديد مع روسيا وأوروبا وتوسع نفوذ موسكو في المنطقة. ومع ذلك، قد لا يزال هذا الهدف النهائي بحاجة إلى وقت، وسيواجه تحديات من الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
ثقة وسط عدم اليقين
سيجذب انضمام إيران المحتمل إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي استثمارات من الدول المجاورة إلى خطوط السكك الحديدية بين إيران وروسيا في منطقة القوقاز. ومن شأن فتح قنوات الاتصال بين أرمينيا وأذربيجان، كجزء من البيان الثلاثي الصادر في 9 تشرين الثاني الماضي، أن يسهل التجارة ونقل البضائع في المنطقة كجزء من ممر النقل بين الشمال والجنوب.
في مثل هذه الظروف، تكون شبكة السكك الحديدية مهمة للغاية لأن حجم البضائع المنقولة بالسكك الحديدية أكبر بكثير وأسرع من الطرق البرية والشاحنات. ومع ذلك، فإن تنفيذ هذه المشاريع ليس مؤكداً بعد، إذ سيتعين على كلا الجانبين الانتظار للتغلب على العقوبات الأمريكية، لأن الطرق الاقتصادية هي دائماً حالة مربحة للجانبين.
من خلال الانضمام إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي والاندماج في المنظمات الإقليمية الأوروبية الآسيوية، ستعزز إيران موقعها الجغرافي الاقتصادي في مركز نقل إقليمي، وفتح بوابة غرب آسيا لوصول موسكو للسكك الحديدية إلى شرق البحر الأبيض المتوسط.