احتواء الصين نهج محفوف بالمخاطر
هناء شروف
نظراً لأن الصين أوضحت أنها مستعدة للتعاون، فإن المسؤولية تقع على عاتق الولايات المتحدة لتغيير نهج المواجهة الحالي. وبالعودة إلى الوراء، وتحديداً في 21 شباط 1972 قام الرئيس آنذاك ريتشارد نيكسون بزيارة إلى الصين والتي بشّرت بتطبيع العلاقات الصينية الأمريكية. كسرت تلك الزيارة الجليد وأنهت المواجهة بين الصين والولايات المتحدة. وعلى الرغم من وجود العديد من التقلبات في العلاقات الصينية الأمريكية منذ الزيارة التاريخية، إلا أن العلاقات بين البلدين لم تنحرف بشكل عام عن مسار التنمية الطبيعية، كما أن العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين البلدين كانت تتعمّق باستمرار، مما قدّم مساهمات مهمة للسلام والتنمية في جميع أنحاء العالم.
ومع ذلك بدأت سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين بالخضوع لتغييرات جذرية بعد أن أصبح دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة في عام 2017. لم تحدّد إدارة ترامب الصين فقط على أنها أكبر منافس استراتيجي للولايات المتحدة، ولكنها أعلنت أيضاً وبشكل علني فشل استراتيجية التواصل مع الصين.
بعد توليه منصبه، ورث بايدن سياسة ترامب الصارمة تجاه الصين، كما أنه انتهج استراتيجية تحالف ديمقراطي في محاولة للاستفادة من مزايا شبكة التحالف الأمريكية لاستمالة حلفائها وشركائها في استراتيجية الاحتواء التي تستهدف الصين. تواصل الإدارة الحالية لجو بايدن استخدام بحر الصين الجنوبي وقضايا حقوق الإنسان لإثارة المتاعب للصين، لكن أخطر شيء تفعله هو المخاطرة بتجاوز الخط الأحمر الصيني بشأن مسألة تايوان.
ونظراً لأن استراتيجية المشاركة الأمريكية مع الصين أصبحت الآن من الماضي فإن العلاقة التعاونية التي أقامتها الصين والولايات المتحدة في السنوات التي أعقبت زيارة نيكسون للصين تواجه الآن اختباراً شديداً. تحتاج الولايات المتحدة إلى خصم خارجي قوي لخلق إجماع داخلي وتعزيز سيطرتها على نظام حليفها. ومع ذلك من الحماقة أن تتحدى الولايات المتحدة الصين بشأن القضايا المتعلقة بالمصالح الجوهرية للصين.
في الوقت الحاضر تواجه الولايات المتحدة سلسلة من المشكلات الخطيرة في الداخل والخارج، فهي تواجه في الداخل مشكلات مثل النمو الاقتصادي الضعيف، والتضخم المرتفع، والاستقطاب السياسي، والصراعات العرقية، والانقسامات الاجتماعية الشديدة، حيث سلّط فشل إدارة ترامب وإدارة بايدن في السيطرة على جائحة كوفيد 19 الضوء على الوضع الصعب الحالي الذي تواجهه حكومة الولايات المتحدة. كذلك على الصعيد الدولي بسطت الولايات المتحدة يديها أكثر من اللازم، فتدخلت في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وأثارت باستمرار صراعات استنزفت قوتها الوطنية بشكل خطير. في الوقت نفسه أثار موقفها غير العادل على المدى الطويل بشأن القضية الفلسطينية الإسرائيلية بالفعل استياءً واسع النطاق في العالم الإسلامي، كما أن حملات القمع التي تشنّها على روسيا وإيران وجمهورية كوريا الديمقراطية تثير ردود فعل مستمرة من هذه البلدان.
في ظل هذه الظروف، إذا استمرت الولايات المتحدة بمعاملة الصين باعتبارها خصمها الرئيسي، واستمرت في استفزاز وقمع الصين، فبمجرد أن تقاوم الصين تحركاتها بشكل شامل ستواجه الولايات المتحدة أياماً أكثر صعوبة. لذا فإن اختيار احتواء الصين هو نهج محفوف بالمخاطر بالنسبة للولايات المتحدة.
في الأول من كانون الثاني 2022 كانت الذكرى الخمسين لزيارة الرئيس نيكسون للصين، لذلك يجب على الولايات المتحدة مراجعة روح رحلة ذوبان الجليد، والمتابعة بشأن التفاهمات المشتركة التي تمّ التوصل إليها بين رئيسي الدولتين، والالتزام بالمبادئ الثلاثة للاحترام المتبادل، والتعايش السلمي، والتعاون المربح للجانبين، والالتزام بالبيانات الصينية الأمريكية المشتركة الثلاثة، وتوجيه السياسة الأمريكية تجاه الصين إلى العقل وإعادة العلاقات الصينية الأمريكية إلى المسار الصحيح، أي أن الكرة في ملعب الولايات المتحدة اليوم.
في المستقبل القريب سيصدر بايدن استراتيجية رسمية للأمن القومي، كما سيصدر البنتاغون وثائق تشمل استراتيجية الدفاع القومي الأمريكية الجديدة. ستحدّد هذه الوثائق مبادئ وأهدافاً واضحة للاستراتيجية الخارجية للولايات المتحدة، وبالتالي سيكون لها تأثير مهمّ على سياستها تجاه الصين. لكن من غير المرجح أن تنحرف استراتيجية الأمن القومي الجديدة لإدارة بايدن بشكل جديّ عن دليل إستراتيجية الأمن القومي المؤقت الصادر عن بايدن في آذار 2021، ورغم ذلك من الممكن أن تتخذ إدارة بايدن موقفاً أكثر إيجابية في تحديد سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين، بدلاً من الاستمرار في طريق احتواء الصين وإثارة المواجهة.