الدراما وتأثيرها الاجتماعي
البعث الأسبوعية- سلوى عباس
لا يختلف اثنان على أن الدراما التلفزيونية تمثّل ظاهرة شائكة وخطيرة، وحالة من حالات الغزو الثقافي لأنها تتيح فرصة للاطلاع على مختلف الثقافات بكل ما تحمله من قيم قد تتوافق مع قيمنا وتربيتنا وقد تختلف. وبحكم أن التلفزيون أصبح رفيقاً للأسرة بكاملها، فإن الدراما تفرض نفسها علينا لنكون أسرى مضامينها وأفكارها، سواء اتفقنا معها أم اختلفنا، لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: كيف نحدّد الضوابط التي تحكمنا عند مشاهدة أي عمل درامي، وما حقيقة العلاقة بين ما تطرحه الدراما وبين تقبلنا لها، وإلى أيّ مدى تساهم الدراما التلفزيونية في تغيير سلوكيات الناشئة والأطفال، وما الدور الذي تلعبه الأسرة في مراقبة مضامين الدراما التي قد تنعكس سلبياتها وما تحمله من قيم على الأفراد ويتأثرون بها.
وبعيداً عن نوعية الأعمال الدرامية ومضامينها وأهدافها، أو حتى نجاحها وفشلها على الصعيد الجماهيري، فقد ارتفعت أصوات العديد من المعنيين محذّرة من مخاطر ما تطرحه هذه الأعمال، كما طالبت برقابة موضوعية على كثير منها حتى لا تتعارض مع القيم والأخلاق الاجتماعية، كذلك تعكس كثافة الأعمال التي تشاهدها الأسرة آثاراً سلبية على ترابطها لتعزلها في شرنقة ضيّقة.
ووسط هذا الزخم الهائل من الإنتاج الدرامي الذي تجاوز شركات الإنتاج والقنوات الفضائية لتتبناه منصات افتراضية لاتحكمها أي معايير ربما نجد خللاً مجتمعياً من حيث التأثير واتساع الهوة بين الأجيال، وانشغال الشباب عن مشكلاتهم الحقيقيّة، وانعدام الحل والمعالجة لهذه المشكلات، كما نرى أيضاً أعمالاً تعرض نماذج ساخرة من الشخصيات الإنسانية، وتقدم أشكالاً وقيماً سلبية أو جديدة للأسرة، وبالتالي يذهب كل فرد باتجاه مغاير للآخر، لتتباين الاتجاهات، ويتعمّق الخلاف حول مضمون هذه الأعمال، وقد يسبّب هذا الاختلاف انهيارات فكرية وثقافية بين أبناء الأسرة الواحدة، والمشكلة التي غالباً ما يتم الحديث عنها بالنسبة للأعمال التي تعرض على شاشاتنا هو أن لجنة القراءة التي تقوم بقراءة النص قبل التصوير وتضع ملاحظاتها عليه، هي لجنة مستقلة عن لجنة المشاهدة التي تقوم بمشاهدة المسلسل بعد انتهاء التصوير، مما يسبب الكثير من الإرباكات التي يكون ضحيتها المشاهد، وبالمقابل هناك اتفاق على أن العنف غير محبذ على الشاشة، ولا يمكن أن يكون عنصر تشويق إذا لم يكن وجوده مبرراً وموظفاً توظيفاً يخدم الفكرة المراد طرحها، ، خاصة وأن بعض المخرجين يضعون بعض مشاهد العنف في الشارة ليشدوا الجمهور إلى عملهم، لكنهم لا يعرفون أن هذه المشاهد تعجب البعض ومرفوضة من قبل البعض، وهنا المسؤولية تقع على عاتق المخرج أولاً وبالدرجة الثانية على الأهل الذين يجب ألا يدعوا أطفالهم يسرحون بخيالهم، بل يجب توعيتهم لما يشاهدون، إضافة لخطورة طول مدة مشاهدة الأطفال للتلفزيون لاسيما البرامج التي لا تتناسب مع أعمارهم، فإدمان الأطفال على مشاهدة الدراما وما تتضمنه من عنف كما أشارت الدراسات الحديثة سيؤدي إلى اهتزاز البناء القيمي لديهم، إذ نتيجة متابعة الأطفال لدراما الكبار أظهرت عندهم سيطرة القيم المادية والكراهية وحب الذات والحقد، بينما تراجعت قيماً ايجابية أخرى كالثقافية والعلمية دون أن نغفل تأثير الإدمان والعنف على النمو العقلي والمعرفي عند الطفل، فالدراما سلاح ذو حدين علينا الانتباه إلى انعكاساته السلبية والإيجابية حتى نكون منصفين في تقييم هذا الفن الذي استأثر باهتمام شريحة كبرى من المجتمع، لذلك بات المطلوب من الدراما أن تقوم بدور فعّال في تصحيح المفاهيم والمساهمة في عرض القضايا الراهنة وتوضيح سبل العلاج من خلال مواقف حياتية اجتماعية، تُخرجها من حيّز التسلية والترفيه إلى حيّز الإصلاح والتطوير، وعليها تبني رسالة قيمية أخلاقية تتناسب مع ما نشأنا عليه وتمثلناه في حياتنا وسلوكياتنا، وهذا الأمر كما نعتقد لا تكفيه هذه المساحة الصغيرة لنقاشه، بل يحتاج لملفات تتناول هذه الدراما بما لها وما عليها، والمجال مفتوح أمام الجميع للمساهمة في هذا النقاش.