مجلة البعث الأسبوعية

روسيا الاتحادية والجمهورية الإسلامية اجتماع قمة بدلالة جيوبولوتيكية

البعث الأسبوعية- محمد نادر العمري

لم يكن من قبيل الصدفة أن يختار الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الاتحاد الروسي لكي تكون الدولة الأجنبية الأولى التي يقوم بزيارتها بعد انتخابه رئيساً لبلاده، حيث تؤكد هذه الزيارة وفق الأعراف والتقاليد الدبلوماسية والسياسية التي تشهدها العلاقات الدولية عن عمق ودلالة أبعاد انتقاء الزيارات الأولى لأي زعيم أو رئيس في أي نظام سياسي ضمن النظام الدولي, فهي تشير بشكل رئيسي للسعي نحو توثيق العلاقات الإستراتيجية بين الرئيس الضيف ونظيره المستضيف, وهو الأمر الذي ينطبق بكل ما تعنيه الكلمة من مضامين عرفية وفق القواعد والأعراف الدبلوماسية بأن إيران تتجه نحو شريكها الاستراتيجي الأول وتسعى لتوثيق هذه العلاقة, وهنا يتلاقى هذا الهدف الإيراني مع ترحيب روسي في المقابل, في ظل السلوك العدواني الأمريكي المتصاعد, وسعي روسي لإيجاد صيغة من التعاون بين دول المنطقة والبحث عن نقاط التقاء معها للانطلاق في هذه الشراكة، فضلاً عن تكريس مقومات الاستقرار التي تبحث الولايات المتحدة لتقويضه بأي طريقة أو شكل, وهو ما يمكن قراءته في تصريح الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أثناء استقباله من نظيره الروسي فلاديمير بوتين أنه “ليس لدينا أي قيود على توسيع  العلاقات وتطويرها مع روسيا الصديقة”، مشيراً إلى أن “العلاقات مع روسيا ستتطور إلى علاقات إستراتيجية”.

من حيث التوقيت والشكل والمضمون يمكن التأكيد بأن معظم المؤشرات ترسخ التأكيد على أن الهدف من هذه القمة هو البحث عن العلاقة الجيويولوتيكية, والدليل على ذلك يكمن في مروحة من النقاط التي يمكن تلمسها من حيث توقيت القمة والزيارة للجانبين:

  • بالدرجة الأولى بالنسبة للجمهورية الإسلامية تسعى لتعزيز شراكتها مع روسيا الاتحادية في هذا التوقيت, لإرسال رسائل إقليمية لمن يراهن على حصول انشقاق وتصدع في العلاقة بين الجانبين وانهيار ما تم إنجازه على صعيد مكافحة الإرهاب, وهنا نتحدث بالتحديد عن بعض دول الخليج والكيان الصهيوني, الذي يمني النفس بحصول صدام روسي إيراني خاصة في سورية, وهو ما أشار إليه الرئيس بوتين إلى أن “دعم موسكو وطهران أصبح عاملاً حاسماً ساعد سورية في تجاوز التهديدات الإرهابية في أراضيها”، مضيفاً: “ساعدت جهودنا بدرجة كبيرة الحكومة السورية في تجاوز التهديدات المرتبطة بالإرهاب الدولي”.
  • بالدرجة الثانية ونتيجة أهمية موقع الجمهورية الإسلامية الإيرانية المتوسط بين روسيا والصين وفي مقربة من عمق آسيا الوسطى وقربها من دول البلقان, تجعلها فاعلاً مؤثراً في نجاح المشاريع الجيواستراتيجية بالمنطقة والعالم من عدمه, وبخاصة بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وما كان يراد من وراء ذلك من حصول فوضى منظمة وعارمة داخل أفغانستان وتطوره ليصبح عدوى منتقلة لدول الجوار مما يصيب خط الحرير أو ما يعرف بالحزام والطريق الصيني من إصابة في العمق, وكذلك تأزم الوضع مؤخراً في كازاخستان. كل ذلك نظراً لموقع إيران ودورها الفاعل والمؤثر يجعلها شريك استراتيجي للدول التي تناوئ السياسات الأمريكية, بما في ذلك الصين وروسيا وهو ما دعا الأولى لتوقيع اتفاقية إستراتيجية معها دخلت حيز التنفيذ منتصف شهر كانون الثاني 2022, وسعي إيراني وروسي للتوصل نحو ذات الاتفاق في المستوى القريب بما يحقق المصالح الثنائية للدولتين, ويخفف من تداعيات الحصار الاقتصادي الأمريكي عليهما, ويساهم لاستخدام العملات الوطنية كعملة بديلة عن الدولار, فضلاً عن تأمين مقومات نجاح المشاريع الجيوسياسية والاقتصادية وحتى التكتلات والتحالفات الهادفة للأولى, لذلك فإن زيارة رئيسي لروسيا جاءت بعد أقل من شهرين من قبولها عضواً كامل العضوية في منظمة شنغهاي. وهذه المؤشرات تبلورت في الكلام المنسوب للرئيس الإيراني حينما أكد أن بلاده قدمت إلى الأصدقاء الروس مسودة حول الرؤية للوصول لاتفاقية إستراتيجية بين البلدين، موضحاً أن “هناك وثائق حول التعاون الاستراتيجي، يمكنها تحديد أفق هذا التعاون على مدى 20 عاما”.
  • بينما يكمن الجانب الثالث بالنسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية, في اقتراب موعد إحياء الاتفاق النووي مع الغرب, والدور الذي لعبته روسيا وستلعبه بعد البدء بالعودة عليه.

بالنسبة لروسيا هناك دوافع لا تقل أهيمتها عن دوافع إيران لهذه الشراكة وتعميقها, فهي تعاني من تصعيد غربي_ أطلسي_ أمريكي ضدها فيما يتعلق بأزمة أوكرانيا, وما يدّعيه الغرب حقوق الإنسان والتنافس الجيوبولتيكي على المستوى الدولي بما في ذلك الصراع حول الطاقة والتوسع والإنتاج العسكري والتكنولوجي وحتى الطبي المتمثل بلقاحات وباء جانحة كورونا, وهو ما يتطلب البحث عن شراكات إستراتيجية تدفع الكرملين لتجاوز أخطاء الاتحاد السوفييتي, وبما يضمن تأمين مقومات العودة للقطبية الدولية مثل التعاون الاستراتيجي مع الصين والمحتمل مع إيران, وهذه الشراكات بنيت على أسس اقتصادية وسياسية وعسكرية وهو ما يفسر مشاركة القوات الإيرانية في السابق بالمناورات البحرية التي جرت للمرة الأولى في المحيط الهندي إلى جانب القوات الروسية والصينية, وليس من باب الصدفة أن تكون إيران ضمن مناورات “الحزام الأمني البحري 2022 “في شمال المحيط الهندي والتي انطلقت  بعد ثلاثة أيام من القمة التي جمعت الرئيسين الروسي والإيراني, بمشاركة السفن الحربية والطائرات التابعة للقوات البحرية لكل من الدول الثلاث “روسيا والصين وإيران” مما يؤكد أهمية العلاقات الإستراتيجية بين الدول الثلاث, ويؤكد في المقلب الآخر إن السياسات الأمريكية والهادفة للحفاظ على سيطرتها وهيمنتها العالمية, واستمرار تصعيدها تجاه الدول الصاعدة وعدم الاعتراف بها, سيزيد من تقارب هذه الدول وعلاقاتها الإستراتيجية الهادفة لتغيير طبيعة النظام الدولي الذي وجد بعد الحرب الباردة, ويفرض الأمر الواقع على أميركا ويقلل من تداعيات الحصار الاقتصادي, وهو ما تم الإشارة إليه من الرئيس رئيسي عندما قال: ” إن روسيا وإيران ودول أخرى تواجه العقوبات الاقتصادية الأمريكية”.

من المؤكد أن هذه القمة تعنى بالعلاقات الثنائية وهو أمر لا يحتاج للتأكيد بل يشكل أحد المسلمات, ولكن دلالتها لن تقتصر على ما تم ذكره سابقاً, فقد يتضمن أحد ملفات النقاش هو كيفية التعاون الثنائي بين روسيا وإيران لمواجهة النفوذ المخرب للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة بما في ذلك آسيا الوسطى والعراق وسورية, وهو ما سيدفع بعض القوى لزيادة خيبات أملها بما في ذلك الكيان الصهيوني, الذي راقب بصمت وحذر هذه الزيارة, وبخاصة بعد انتشار صورة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وهو يمارس صلاته داخل الكريملين, في سابقة هي الأولى من نوعها لرئيس دولة إسلامية في داخل الكرملين, مما يحمل في طياته عن دخول مرحلة جديدة وأكثر ثقة بين البلدين, فلطالما عرف الكرملين بأنه معقل الشيوعيين, وهو يطوي في المقابل نقاط الخلافية التي نشبت بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وروسيا الاتحادية بعد أحداث الشيشان, حتى أن البعض وصف بأن هذه الصورة هي صورة رمزية تعبر عن العلاقة الجيوبولتيكية التي يمهد للوصول إليها, خاصة لما تضمنته زيارة رئيسي من إلقاء كلمة داخل الدوما, تضمنت الإصلاحات التي شهدتها الجمهورية الإسلامية, ورغبتها في التقارب مع روسيا لمواجهة أميركا وسطوتها, والتعاون الثنائي بين البلدين والذي نجح في الحد من انتشار الإرهاب, مما وضعنا بأن هناك حقيقة لا يمكن إنكارها وتشكل مقاربة يجب تدريسها في العلاقات الدولية تتمثل: بأن كلا الدولتين يتبعان سياسة براغماتية هدفها إعلاء مصالح الدولتين والمساهمة في رسم معالم النظام الدولي الجدي, وإلا كيف يمكن تفسير المرونة والدبلوماسية التي أبداها الرئيس الإيراني ذو الخلفية المحافظة، والتسامح الذي أبداه الرئيس الأرثوذوكسي الروسي…؟.

إن تعبيد الطريق نحو العلاقات الجيوبولتيكية بين الدولتين هو التفسير الوحيد ولا تحتاج لجهد ذهني وكثرة التحليلات المرحبة أو المشككة.