صباح فخري.. بين موشح الشموع ومقام الدموع
حلب- غالية خوجة
كيف يحتفي الفن التشكيلي بصباح فخري والقدود الحلبية؟ هل بمجرد أن يكون عنوان المعرض “شموع الصبا.. لصباح البيات” لنكون أمام معرض يحتفي بعملاق الطرب الأصيل؟
احتفت صالة الأسد للفنون التشكيلية بحلب، ولمدة 4 أيام، بمعرض تشكيلي جماعي واضح من عنوانه أنه يدور حول تحية لمطرب القدود الحلبية صباح فخري ومقام الصبا والبيات، أقامته جمعية “شموع السلام” بالتعاون مع اتحاد الفنانين التشكيليين ومديرية الثقافة بحلب، وشارك فيه 33 فناناً، من كافة المحافظات السورية. ويأتي هذا المعرض في حلب بعد إقامة معرض بالعنوان نفسه في صالة الرواق بالعفيف بدمشق.
تراوحت الأعمال بين المألوف والمكرّر والمعروض والتعبيري والرومانسي والواقعي والتجريدي، ومنها ما كان مباشراً في التعبير عن الأغاني مثلاً لوحة السمك لتعبّر كما هو مكتوب على ورقة صغيرة أسفل اللوحة “صيد العصاري يا سمك يا بني”!، والحمامة الصغيرة الواقفة على ذراع الأنثى مع ساعة لامعة في لوحة أخرى كتعبير مباشر عن أغنية “يا طيرة طيري يا حمامة”؛ وهذا يؤكد أن العنوان في مكان والأعمال في مكان آخر، لأن ظاهرة كتابة جزء من الأغنية أو القد أو الموشح على ورقة ولصقها أسفل اللوحة، تعتبر وسيلة إيضاحية لا فنية، هذا بشكل عام، بينما نلاحظ أن عدداً ضئيلاً من اللوحات اهتمّ بدلالة الفنيات التي من الممكن أن نستنتج منها ما يقترب من عنوان المعرض، ومنها لوحة الفنان محسن خانجي التي من الممكن أن نطلق عليها “ربة الوجه الصبوح”، وهي وجه لشخصية مؤنثة تحدق في المتلقي والأفق والمعرض، وكأنها تتأمل العالم بينما تلمع خرزتها الزرقاء مع شال رأسها الأخضر من خلال الخلفية الحمراء والإطار المزركش بزخرفة ومنمنمات هندسية وأشكال أخرى تتوسطها إشعاعات الشمس في منتصف الإطار العلوي، وكأنها تردّد “عيشة لا حب فيها جدول لا ماء فيه”.
وتبدو لوحة الفنان إبراهيم داود، أمين سر اتحاد الفنانين، وكأنها تعكس حالة من التصوف الحزين الذي تجسّده بطلة اللوحة وكأنها تنشد “مدد.. مدد”، وتتوغل إلى أعماقها مثل الحمامة الواقفة على يدها بطمأنينة تنساب إلى المشاهد، وتحكي عن أحداث كثيرة منها درامية الحزن والأمل المشرق مثل شمس يوم جديد من الجهة الشرقية للوحة. بينما تظهر منحوتات الفنان عبد القادر منافيخي جانباً من هذا الموروث الصوفي من خلال أسماء الله الحسنى وهي في هذا المعرض “العليم، العزيز، السميع”، من خشب الزان وجماليات الحرف العربي وتعكس تشكيلات من تراث حلب سورية، تلك الأسماء التي أنشدها صباح فخري أجمل إنشاد.
كما تبرز لوحة الفنانة لينا رزق رئيسة جمعية “شموع السلام” في هذا المنحى، من خلال الشخصية المؤنثة المترادفة مع أغنية “طالعة من بيت أبوها”، مع خلفية مكانية تعكس تراث البيت العربي الدمشقي وشجرته الخضراء وحجارته الصفراء والسوداء، وأجابتنا رزق عن فكرة تأسيس الجمعية منذ 2017 في دمشق، وهدفها إقامة مثل هذه الفعاليات الثقافية الفنية في مختلف المحافظات السورية ليشارك بها الجميع، وأضافت: كما أقمنا فعاليات خارج القطر ونستضيف مشاركات عربية، وهذا ما نأمل العودة إليه بعد هذه الحرب الظلامية على سورية.
والملفت أن حروفية الفنان خلدون الأحمد زيّنت آلة العود الوترية بتشكيلية من الخط العربي وبألوان متناغمة بين الأزرق والأبيض والأحمر والأسود، إضافة إلى لوحة حروفية دائرية، مما يجعل الهالة الروحية لإيقاع اللون تتشابك مع الخلفية الموسيقية المسموعة في أرجاء الصالة المردّدة لصوت صباح فخري. وعن هذه المشاركة قال الأحمد: جاء الفنانون ليعبّروا عن محبتهم وتقديرهم لشخصية صباح فخري العالمية، ومشاركتي بعملين أولهما إيقاع على الآلة الموسيقية، والثاني حالة حب بين الحرف واللون من فسيفساء أبجديتنا العربية وجمالها المتفرد.
وعموماً، كنّا نتوقع أن يكون هناك معرض يعزف القدود بالألوان، ويصدح بصوت صباح فخري بطريقة جمالية أكثر مترادفة مع صوته وهو يجول في الصالة كخلفية موسيقية، وبتنويعات إيقاعية وتنوعات احتمالية تجعلنا نصغي للنص الموسيقي الباطن من خلال حركية اللون في المشهد والمفردات والانعكاسات وأحداثها بين تدرجات الألوان والضوء والظل، وما ينتج عن العمل الفني من نصّ مثقف بسيمياء اللون والمقام والذاكرة التراثية اللا مادية وهي تتحول إلى أعمال غير اعتيادية، لكن، لماذا لم يكن المستوى العام للمعرض الجماعي بهذا الألق؟ بل، لماذا جعلنا نشعر بدموع تخفيها مقامات حزننا على صباح فخري الذي لو حضر هذا المعرض لجعل المقامات الموسيقية والموشحات والقدود تبكي معنا عليه؟!.