أوكرانيا ورقة مساومة لا أكثر!
هيفاء علي
تواضل وسائل الإعلام الغربية بحريك آلة البروباغندا الهيستيرية في العالم، والتي تسوّق لفكرة أن الجيش الروسي يحشد قواته على طول الحدود مع أوكرانيا، وأن الرئيس فلاديمير بوتين سيهاجم أوكرانيا. وبحسب المخابرات الأمريكية، نقلت روسيا 70 ألف جندي إلى حدودها مع أوكرانيا، وما ساعد على المبالغة في المخاوف قرار واشنطن ولندن بإجلاء عائلات دبلوماسييهما والسماح للأفراد غير الأساسيين بمغادرة أوكرانيا!.
هكذا بدأت هذه القوى الأنغلو أمريكية إجراءات متطرفة على الرغم من حقيقة أن رئيس أوكرانيا، فلاديمير زيلينسكي، قد صرّح بوضوح “إننا لا نرى تصعيداً أكبر”. ورغم ذلك، حذّرت واشنطن في مجلس الأمن من حرب “مروعة” إذا قرّرت موسكو غزو جارتها، بينما تسعى روسيا إلى معالجة المخاوف الأمنية عبر المحيط الأطلسي من خلال الحوار، وتريد من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وقف توسّعها في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، وإلغاء نشر القوات والأسلحة في وسط وشرق أوروبا. لكن واشنطن والناتو مصران على ذلك، وقد رفضا هذا الاقتراح. وكانت مسودة المقترحات الأمنية الروسية المرسلة إلى واشنطن قد دعت إلى حظر إرسال السفن الحربية والطائرات الأمريكية والروسية إلى مناطق الحرب، حيث يمكنها مهاجمة أراضي بعضهما البعض، بالإضافة إلى وقف اختياري لمناورات الناتو العسكرية بالقرب من الحدود الروسية. ومن أجل تأمين حدودها، تدعو روسيا أيضاً الولايات المتحدة وحلفاءها إلى الامتناع عن إنشاء قواعد عسكرية على أراضي أوكرانيا وجورجيا ودول سوفييتية سابقة ليست أعضاء في الناتو.
بكل الأحوال، لن تسمح روسيا للحرب بتشويه علاقاتها التاريخية مع أوكرانيا، وبوتين لن يقدّم للغرب الفرصة على طبق من ذهب لتشويه صورة روسيا. ووفقاً للمحللين الروس، فإن المشكلة الأمريكية ليست فقط روسيا، ولكن أيضاً ألمانيا، التي رفضت إرسال أسلحة إلى أوكرانيا واتخذت موقفاً أكثر ليونة نسبياً تجاه روسيا، واكتفت بعرض تقديم المساعدة الطبية لأوكرانيا فقط، كما منعت إستونيا من إمداد أوكرانيا بأسلحة من أصل ألماني، في حين أبدت بولندا تضامنها مع كييف من خلال إرسال أسلحة، بما في ذلك أسلحة أرض-جو من طراز “غروم” وأنظمة الهاون الخفيفة، فضلاً عن الطائرات بدون طيار.
ولعلّ أحد أسباب رفض برلين السير على خط الولايات المتحدة هو خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” الذي تؤكد موسكو وبرلين أنه مسعى تجاري بحت من شأنه حماية إمدادات الغاز الأوروبية. لكن يتصدّر خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” الذي تملكه وبنته شركة الغاز الروسية العملاقة “غازبروم” تحت بحر البلطيق، قائمة العقوبات المحتملة التي تهدّد بها الدول الغربية روسيا. ويهدف خط الأنابيب هذا إلى نقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى ألمانيا متجاوزاً أوكرانيا، وعند التشغيل الكامل لخط الأنابيب، من المرجح أن يرسل 55 مليار متر مكعب من الغاز إلى ألمانيا كل عام، أي ما يعادل نحو 15٪ من واردات الاتحاد الأوروبي السنوية من الغاز. وبالتأكيد هذا الأمر هو ما أثار غضب أمريكا، لأنها ترى أن الاتصال والرفاهية بين القوى القارية يمثلان تهديداً لأسبقية القوى البحرية في توجيه الاقتصاد السياسي العالمي. كما أن الهدف الاستراتيجي الأمريكي هو منع الصين وروسيا وألمانيا من تشكيل كتلة قارية ملموسة، لذلك لا تتوقف عن ممارسة الضغوط على القوى القارية الثلاث الكبرى ألمانيا والصين وروسيا لضمان بقاء القارة الأوروبية الآسيوية منقسمة. وبالتالي، يجمع المحللون على فكرة استبعاد نشوب الحرب في أوكرانيا، لأن الاستراتيجية الأمريكية الحالية هي استخدام أوكرانيا كورقة مساومة ضد روسيا.