“الخطأ غير المقصود” في آلة الحرب الأمريكية!
علي اليوسف
هل بالفعل يريد الرئيس الأمريكي جو بايدن تحسين صورة بلاده التي قامت بتشويهها الادارات السابقة عبر الحروب العبثية، أم يريد استغلال توالي الفضائح عن قتل المدنيين وتحديداً في الشرق الأوسط لتكون ورقة لتبييض صورته في انتخابات التجديد النصفي؟ هذا جزء بسيط من أسئلة كثيرة عن الدور الأمريكي الهدام عبر العالم، والذي بدأ يخرج الى العلن من خلال التحقيقات الصحفية الاستقصائية، وإن كانت هي الأخرى لا تخرج عن إطار المحازبة.
قبل أيام، قال مرشح الرئيس الأمريكي جو بايدن لرئاسة القيادة المركزية “سينتكوم”، الجنرال مايكل كوريلا، إنه يدعم التحقيق في سقوط آلاف الضحايا المدنيين نتيجة العمليات الأمريكية في الشرق الأوسط.. كلام كوريلا جاء خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ الأمريكي، عندما سئل عما إذا كان على استعداد للتحقيق في تقارير عن سقوط ضحايا مدنيين في الشرق الأوسط خلال العقدين الماضيين. ولكن المعلومة الأهم التي أدلى بها خلال جلسة الاستماع هي: “أعلم أن هناك عملية معطلة الآن في القيادة المركزية الأمريكية”. هذا الكلام يقود الى أنه بالفعل تقوم الآلة العسكرية الأمريكية بقتل المدنيين الأبرياء في كافة أصقاع الأرض بدون مساءلة داخلياً، أو من قبل المنظمات الدولية التي لا تهدأ أصواتها للدفاع عن الانسانية. وبالتالي هل سيكون الجنرال مايكل كوريل – إذا تم تعيينه – قادرا على تفعيل عملية المحاسبة المعطلة، ووضع خطة جديدة للتخفيف من الأضرار المدنية التي أعلنها وزير الدفاع الأمريكي لويد أوست، أم هو مجرد كلام للاسترضاء؟
منذ أن تدخلت القوات الأمريكية في تأجيج الحروب في الشرق الأوسط، ارتفع عدد القتلى المدنيين. ووفقاً لتقرير صادر عن جامعة “براون” الأمريكية، فإن عقدين من المشاركة الأمريكية في الشرق الأوسط أسفرا عن 900 ألف حالة وفاة، و8 تريليونات دولار في التكاليف المرتبطة بالحرب التي قادتها واشنطن في المنطقة. كما نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” معلومات وتقارير متواترة عن منهجية قتل القوات الأمريكية للمدنيين في الشرق الأوسط، وبأن المعلومات الاستخباراتية الفاشلة والعمليات المتسرعة وغير الدقيقة لإطلاق صواريخ أدت إلى مقتل آلاف المدنيين والأطفال في سورية والعراق وأفغانستان بضربات الطائرات المسيرة للجيش الأمريكي.
كانت ضربات الطائرات المسيرة منذ 2014 ، الوسيلة المفضلة للجيش الأمريكي في أفغانستان وسورية والعراق، ولكن تقارير وزارة الدفاع الأمريكية الـ 1300 التي تم نشرها بموجب قانون الشفافية في الإدارات، شكلت ضربة لصورة ما تسميه الولايات المتحدة “الحرب النظيفة” التي تجري بـ “ضربات دقيقة” كما يؤكد الجيش الأمريكي باستمرار.
وبحسب تلك الوثائق، شن الجيش الأمريكي خلال الخمس سنوات الماضية أكثر من خمسين ألف غارة جوية في أفغانستان وسورية والعراق، لكن صحيفة “نيويورك تايمز” كشفت أن عدد الضحايا المدنيين الذين اعترف بهم البنتاغون أقل من الحقيقة بكثير، والأهم أنه لم يخلص ولو سجل واحد إلى خطأ ارتُكب أو إلى إجراء تأديبي، لأن التبرير الذي كان يرتكز إليه البنتاغون هو “خطأ غير مقصود”.
في الحقيقة، الخطأ غير المقصود هو رواية استعمارية تستمر الدول الغربية في سردها على نفسها وعلى الآخرين عند قتلهم المدنيين، لأنه لا دفاع عن “خطأ غير مقصود” إذا استمر وقوع هذا الخطأ، بمعنى لا يمكن للخطأ غير المقصود أن يصبح سلوكاً نمطياً، لكن سنوات طويلة من الاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق والتدخل في سورية كانت مليئة بالضربات الجوية التي تقضي على عائلات بأكملها، وهذه المعلومات نادراً ما تتصدر الأخبار، إذ تخفيها ادعاءات البنتاغون الكاذبة بأنها عمليات ناجحة لتحييد الإرهابيين.
إن الدول التي تصرخ بأعلى صوتها بأنها تقتل الأبرياء عن طريق الخطأ ودون قصد أو لأن الإرهابيين يختبؤون وراءهم هي نفسها التي تواصل قتل الأبرياء. صحيح أن هناك قوانين للحرب والاحتلال وهناك قانون دولي، لكن الولايات المتحدة خالفت كل هذه القوانين ما يجعل أعذار البنتاغون لا وزن لها. لكن المشكلة أنه لا توجد رغبة في تطبيق القانون على أقوى جيش على وجه الأرض وحلفائه، وبدلاً من ذلك يسمح له بممارسة دور الشرطي العالمي.
إن إعلان أمريكا عن “خطأ غير مقصود” في كل مرة تقتل فيها المدنيين يكشف أن أنظمة القانون الأمريكية غير قادرة على إخضاع المسؤوليين السياسيين والعسكريين للمساءلة!!