المهندس عرنوس: هيكلة الدعم ضرورية لأسباب اقتصادية واجتماعية ولحماية قدرة الدولة
أكد رئيس مجلس الوزراء حسين عرنوس أن الهدف من إعادة هيكلة الدعم هو التخفيف من عجز الموازنة وتخصيص كتلة مالية لدعم الأسر الأكثر فقراً ودعم الإنتاج، وكذلك العمل على تحسين القدرة الشرائية للمواطنين ودعم ثبات سعر صرف الليرة، وهذه كانت هي الهواجس بالنسبة للحكومة التي وبتوجيهات من الرئيس بشار الأسد قامت بعدة زيادات للرواتب وبتقديم المنح كلما توفر لديها كتلة مالية وهي مستمرة في هذا النهج.
واعتبر عرنوس في لقاء خاص مع صحيفة “الوطن” أنه قد يكون مصطلح “مستبعد من الدعم”، لأن الأصح هو مصطلح “غير مستحق للدعم”، إذ لا يجوز إطلاقاً أن يتساوى “القادر” مع الفقير، وهذا أمر لا خلاف عليه لا وطنياً ولا اجتماعياً، وهناك آلاف الحالات التي يتخفّى فيها المقتدرون مالياً خلف الفقراء والمحتاجين، وخاصة من أصحاب المنشآت والعقارات والسجلات التجارية، حيث تبين أن هناك المئات بل الآلاف من السجلات هي لأشخاص لا يمارسون التجارة، إنما بهدف تسخيرها لكبار التجار من أجل التهرب الضريبي، متسائلاً: “هل هذا الأمر مقبول بمنطق العدالة الاجتماعية والاقتصادية”؟!
رئيس مجلس الوزراء، كشف أن كتلة الدعم في موازنة ٢٠٢٢ تبلغ نحو ستة آلاف مليار ليرة (من دون احتساب دعم الكهرباء) من أصل إجمالي الموازنة والبالغة قرابة ١٣ ألفاً وخمسمئة مليار ليرة، وهذا المبلغ يزيد من عجز الموازنة ونتائجه ستكون سلبية جداً على اقتصاد البلد، ومن خلال عملية حسابية لم تنتهِ بعد، لكنّها تقديرية، يمكن أن تؤدي عملية إعادة هيكلة الدعم إلى تخفيض مبلغ ألف مليار من أصل الستة آلاف مليار، لتخفيف عجز الموازنة بجزء من هذا المبلغ، وإعادة توزيع الجزء المتبقي منه وضخه في الإنتاج وباتجاه الأسر الأكثر احتياجاً وفي دعم بعض الفئات والمهن التي تحتاج إلى هذا الدعم أكثر بكثير من غيرها.
وأضاف: “لم يكن الهدف كما يتحدث البعض هو تقسيم المجتمع أو “رفع الدعم” عن فئة وإبقائه لفئة أخرى، الهدف هو اقتصادي واجتماعي ووطني بحت وسينعكس إيجاباً على المجتمع رغم ما يحمله من مصاعب، وخاصة في ظل شح الموارد المالية والحصار الاقتصادي المفروض على سورية.. وفيما يلي نص اللقاء كما أوردته “الوطن”.
مُستَبعَد أم غير مستحق؟
المهندس عرنوس أكد أن الهدف من إعادة هيكلة الدعم هو بكل تأكيد التخفيف من عجز الموازنة وتخصيص كتلة مالية لدعم الأسر الأكثر فقراً ودعم الإنتاج وكذلك العمل على تحسين القدرة الشرائية للمواطنين ودعم ثبات سعر صرف الليرة، وهذه كانت هي الهواجس بالنسبة للحكومة التي وبتوجيهات من رئيس الجمهورية قامت بعدة زيادات للرواتب وبتقديم المنح كلما توفر لديها كتلة مالية وهي مستمرة في هذا النهج.
وأضاف عرنوس: “قد يكون مصطلح “مستبعد من الدعم” غير مناسب لأن الأصح هو مصطلح “غير مستحق للدعم”، إذ لا يجوز إطلاقاً أن يتساوى “القادر” مع الفقير، وهذا أمر لا خلاف عليه لا وطنياً ولا اجتماعياً، وهناك آلاف الحالات التي يتخفّى فيها المقتدرون مالياً خلف الفقراء والمحتاجين وخاصة من أصحاب المنشآت والعقارات والسجلات التجارية، إذ تبين أن هناك المئات بل الآلاف من السجلات هي لأشخاص لا يمارسون التجارة إنما بهدف تسخيرها لكبار التجار من أجل التهرب الضريبي، فهل هذا الأمر مقبول بمنطق العدالة الاجتماعية والاقتصادية”؟!
الحدود والمغادرون
وتابع عرنوس: من الحالات التي رصدناها أيضاً هو خروج عدد من السوريين إلى لبنان على سبيل المثال والعودة بطريقة غير شرعية من خلال معابر مخالفة، فظهر أنهم خارج البلاد في حين أنهم في الحقيقة داخل البلاد، وكذلك الأمر بالنسبة للآليات المباعة وغير المفروغة إلى أسماء مالكيها الجدد لأهداف أيضاً تتعلق بالتهرب من الرسوم أو لأهداف تجارية، وهي أساليب يمارسها تجار السيارات وأدت إلى حدوث أخطاء في البيانات.
العجز وتخفيف العجز
رئيس مجلس الوزراء، كشف أن كتلة الدعم في موازنة ٢٠٢٢ تبلغ نحو ستة آلاف مليار ليرة سورية (هذا المبلغ من دون احتساب دعم الكهرباء) من أصل إجمالي الموازنة والبالغة قرابة ١٣ ألفاً وخمسمئة مليار ليرة، وهذا المبلغ يزيد من عجز الموازنة ونتائجه ستكون سلبية جداً على اقتصاد البلد، ومن خلال عملية حسابية لم تنتهِ بعد، لكنّها تقديرية، يمكن أن تؤدي عملية إعادة هيكلة الدعم إلى تخفيض مبلغ ألف مليار من أصل الستة آلاف مليار، لتخفيف عجز الموازنة بجزء من هذا المبلغ، وإعادة توزيع الجزء المتبقي منه وضخه في الإنتاج وباتجاه الأسر الأكثر احتياجاً وفي دعم بعض الفئات والمهن التي تحتاج إلى هذا الدعم أكثر بكثير من غيرها.
لذلك، يقول عرنوس: “لم يكن الهدف كما يتحدث البعض، هو تقسيم المجتمع أو “رفع الدعم” عن فئة وإبقاءه لفئة أخرى، الهدف هو اقتصادي واجتماعي ووطني بحت وسينعكس إيجاباً على المجتمع رغم ما يحمله من مصاعب، وخاصة في ظل شح الموارد المالية والحصار الاقتصادي المفروض على سورية”.
الخط الأحمر
ورداً على سؤال عن “الخط الأحمر” والمقصود فيه الخبز، قال رئيس مجلس الوزراء: “إن الخبز لا يزال خطاً أحمر، لكن ليس بمفهوم سعر ربطة الخبز، بل بمفهوم استمرار دعم الزراعة، وتأمين القمح والدقيق إلى الأفران بحيث تبقى هذه المادة متوفرة وبسعر مقبول للمواطن الذي يستحق أن يحصل عليها بهذا السعر، فنحن نعيش في حالة وظرف استثنائي، وأغلبية الناس لا تعرف كيف يتم تأمين القمح والدقيق وما الوسائل المعتمدة، وهذا طبيعي لأنها ليست معنية، فمن واجب الحكومة توفيره، لكن ونظراً لكل ما ينشر هنا وهناك من كلام تنظيري للأسف، ربما علينا التذكير بأن خزان القمح السوري مسلوب نتيجة الاحتلال الأميركي، وكذلك النفط، وأن الحكومة تستورد وتدفع بالعملة الصعبة لتأمين متطلبات المواطنين وضمان استمراره، والجميع كان شاهداً على حالات الاختناق التي كانت تحصل بالنسبة للمشتقات النفطية في بعض الحالات، ونادراً ما كانت هذه الاختناقات تحصل في مادة القمح، لكونه لا يزال “خطاً أحمر”، وأنا أجزم بأن الخط الأحمر اليوم بالنسبة لكل السوريين هو استمرار تدفق المواد واستمرار توزيع الرواتب من دون تأخير وزيادتها، أعني استمرار بقاء قدرة الدولة التي حاول ويحاول الكثير تدميرها، فهذا ما نعمل عليه، وهذا سبب قرار إعادة توزيع الدعم، وتخصيص كتلة مالية جديدة تذهب إلى الإنتاج والأسر الأكثر فقراً.
حيتان المال
وعما ينشر حول “حيتان المال” وما يمكن أن يقدموه من أموال للخزينة العامة للدولة بدلاً من إعادة هيكلة الدعم، قال عرنوس: “مَن قال إنهم لا يقدمون أو لا يسددون”؟ وذكّر رئيس مجلس الوزراء بما تقوم به الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش والجهاز المركزي للرقابة المالية والقضاء الإداري وما استردته من أموال منهوبة أو ضرائب متهرِّبة بلغت مئات المليارات، وما تقوم به وزارة المالية من أعمال تدقيق ضريبي على كبار التجار والمنشآت لتحصيل حقوق الخزينة العامة للدولة بالتوازي مع إصلاح ضريبي بدأ يأتي بثماره مثل قانون البيوع العقارية على سبيل المثال الذي عالج التشوهات المالية التي كانت سائدة في السابق في هذا القطاع.
الدعم للأعمال المتناهية الصغر
أما بخصوص السجلات التجارية قال عرنوس: “ليكن واضحاً للجميع أن أصحاب الأعمال الصغيرة والمتناهية الصغر سيبقون ضمن الشرائح الاجتماعية المستحقة للدعم ولن يتم إيقاف الدعم لهم، لأن الحكومة تصنف هؤلاء ضمن الشرائح التي يجب الاستمرار بدعمها، وإيقاف الدعم يشمل أصحاب السجلات التجارية للأعمال المتوسطة والكبيرة فقط، وأصدرنا قراراً بهذا الخصوص وبات ساري المفعول، كما صححنا بخصوص الموظفين والمتقاعدين والعسكريين وما يخص السيارات التي يملكونها بحيث عادوا إلى مظلة الدعم في حال كان أي منهم يملك سيارة واحدة بغض النظر عن تاريخ التملك وسنة الصنع وسعة المحرك، وتم إبقاء الدعم لأصحاب الفعاليات الزراعية المشتركين على التوتر باستطاعة 100 ك ف أ لدعم قطاع الزراعة”.
عودة لدوافع القرار
وفي تفاصيل القرار، أشار عرنوس إلى أن قرار رفع الدعم عن غير المستحقين يُعزى بشكل أساسي إلى عدة أسباب، اقتصادية واجتماعية ومالية لها علاقة بموازنة الدولة، وانطلاقاً من هذه الأسباب لجأت الحكومة إلى قرار رفع الدعم عن غير المستحقين كحل لا بد منه لمعالجة العجز القائم بالموازنة العامة للدولة، مع عدم القدرة على السير بالحلول الأخرى التقليدية لمعالجة هذا العجز، كاللجوء إلى زيادة وتعزيز الإيرادات العامة من خلال إعادة النظر ببدلات الخدمات وزيادة الضرائب والرسوم، حيث أشار عرنوس إلى أن هذا الأمر يستوجب توفر ظروف اقتصادية مناسبة، ومعدلات نمو جيدة في الاقتصاد وهذا غير محقق في الوقت الحالي.
وتحدث عرنوس عن الارتفاع العالمي في أسعار السلع والمواد ومنها أسعار النفط، وقال: “هل من المعقول أن يتحمل هذا الارتفاع الفقراء، المنطق أن يتحملَه المقتدرون مادياً وليس الفقراء”.
معالجة الأخطاء
وأكد عرنوس أنه منذ الساعات الأولى لصدور القرار برفع الدعم عن غير المستحقين وظهور الأخطاء، تم التحرك مباشرة نحو رصد تلك الأخطاء وتحديدها وتقييم الصدى والشكاوى القادمة من الشرائح الاجتماعية التي طالها رفع الدعم، ومتابعة كل التفاصيل والبحث فيها، وعليه تم تعديل بعض المعايير بما يحقق العدالة الاجتماعية التي نهدف إليها، ويضمن وصول الدعم لمستحقيه، مشيراً إلى أنه عندما تذهب الحكومة طوال الأيام اللاحقة لصدور القرار نحو التصحيح أو التعديل، فهذا يؤكد ديناميكية هذه الحكومة والتصاقها بالواقع وبالشرائح المجتمعية، ويؤكد أيضاً قدرتها الفنية والمعلوماتية على التصحيح أو التعديل، ويؤكد مرة جديدة على أن الهدف لم يكن فقط حسابي ومالي، بل اجتماعي أولاً وأخيراً، لكون ما تم تصحيحه من أخطاء وإعادة النظر ببعض الشرائح أعاد الآلاف إلى مظلة الدعم، ونحن مستمرون في تدقيق البيانات والتفاصيل والحالات وهذا ضروري لضمان ألا يكون هناك أي ظلم أو غبن يصيب أي مواطن، وقد شارفت عمليات التدقيق على الانتهاء.
نحن درسنا القرار في مبدئيته وإطاره العام وبنوده الرئيسة
أما عن التساؤلات التي أعقبت قرار رفع الدعم عن غير المستحقين وتناولت موضوع أن الحكومة لم تدرس هذا القرار قبل إقراره والمضي فيه، قال عرنوس: “الحكومة أجرت دراسة للقرار في مبدئيته وإطاره العام وبنوده الرئيسة، إذ إن دراسة التفاصيل وكل أجزاء القرار ومنعكساته سيحتاج لأشهر وربما لسنوات، مضيفاً: إنه كان لابد من البدء بإجراءات القرار حتى اكتشاف حيثياته ومنعكساته لكون الأمر مرتبطاً بمنظومة البيانات بالدرجة الأولى، وتفاصيل المجتمع، ليس فقط الاقتصادية بل الاقتصادية والمالية والوظيفية والمهنية والاجتماعية، وتنوع الشرائح وتفاصيل أخرى كشفها الدخول في تنفيذ القرار”.
الدعم بأنماط جديدة
وأكد رئيس مجلس الوزراء أن الدولة لم تعد قادرة على الاستمرار بنمط الدعم ذاته الذي كان قائماً طوال العقود الماضية، ولابد من توجيه وهيكلة هذا الدعم وفق معايير صحيحة تتيح تقديمه لمستحقيه فقط، مشيراً إلى أن نمط الدعم المعمول به لم يعد موجوداً في العالم بأسره، ولكنه بقي قائماً حتى يومنا هذا بسبب ظروف الحرب التي أثقلت كل مناحي وجوانب الحياة وأثرت على مؤسسات الدولة، وأن عدم تغيير هذا النمط اليوم سيسهم بكل تأكيد في تراكم منعكساته السلبية والخطيرة، لاسيما وأن الدولة قد وصلت إلى مرحلة لم يعد لديها الإمكانية للاستمرار بهذا النمط من الدعم الاجتماعي والاقتصادي، مؤكداً أن الدعم الحقيقي الذي يجب أن توليه الدولة لشرائح المجتمع يجب أن يقوم على دعم القطاع الصحي والقطاع التعليمي ودعم الاستثمار والإنتاج ودعم الشرائح الأكثر ضعفاً وتقديم العون والرعاية وتحسين الخدمات والرعاية الاجتماعية.
الصحيح والأصح
ونوه عرنوس إلى أن المعايير والتفاصيل والخيارات التي بني على أساسها قرار رفع الدعم عن غير المستحقين ليست بالضرورة هي الأصح، ولكن هنالك عدة وجهات نظر بهذا الخصوص وعدة مدارس اقتصادية، ويجب أن نعترف أن الحكومة لم تنجح في الوصول إلى قائمة بيانات دقيقة وواسعة تشمل كل جوانب الحياة في سورية، وذلك على الرغم من إستراتيجية الدولة في التحول نحو الرقمية، وكان لهذا الأمر التأثير البالغ في وجود ثغرات وأخطاء في هذا القرار، وأجهزة الدولة بكاملها تتحمل مسؤولية تلك الأخطاء، وتعمل كل جهدها لتجاوزها.
وختم عرنوس بالتأكيد على أن أبواب كل الوزارات والمديريات مفتوحة لمن يشعر بظلم أو غبن، وأن الحكومة تعمل على مدار الساعة لإعادة الحق إلى مستحقيه في حالات الخطأ، متمنياً على الجميع التفكير بمنطق قدرة الدولة على الاستمرار في توفير الحدود الدنيا من لقمة العيش، وزيادة الإنتاج ودعم العملة الوطنية، في ظل ظروف اقتصادية “أكرر أنها استثنائية ولم تشهدها سورية في أي حقبة من الزمن، وفي ظل حصار خانق، وكلنا أمل أن القادم أفضل بقيادة وحنكة الرئيس الأسد وسواعد جيشنا البطل الذي من واجبنا جميعاً أن نكرس كل جهودنا لدعمه وهو مرابط على الجبهات، وهذا الدعم غير ممكن ما لم تكن الدولة قوية وتتوفر لدينا كل الإمكانات الممكنة والمتاحة، وهذا ما نعمل عليه”.