الملتقيات الاقتصادية مهرجانية تكرارية دون جدوى.. والحل قرارات بمشاركة أقطاب الإنتاج
دمشق – فاتن شنان
تتعمّد الملتقيات والمؤتمرات الحوارية الاقتصادية انتقاء عناوين عريضة عميقة تختص بصلب الاقتصاد ومحاوره الأكثر إشكالية، وتربط نجاحها بحضور كبار المسؤولين من وزراء، ورؤساء غرف التجارة والصناعة والزراعة، لكنها، رغم تكرار التجربة، وجمع أركان معادلة النجاح، تغفل عن جوهر الحقيقة في مقاربتها لما أعلنته أو أنجزته على أرض الواقع بجولاتها السابقة، لتنخرط بدوامة تكرار سرديات مملة لما سبق من قرارات وقوانين دون رصد نتائجها على القطاعات المعنية من جهة، ودون الاستفادة من آراء وطروحات خبراء الاقتصاد المدعوين أو أصحاب الأعمال من جهة أخرى، بل تقصر المناقشة على بضعة أسئلة خجولة تنتزع أجوبة فضفاضة لتفسير القوانين، أو تجتاحها موجة استياء وانفعال ممن لامسهم النقد، رغم شعارها بضرورة التشاركية والشفافية واستمزاج الآراء.
كل ما سبق ينطبق على ملتقى الحوار الاقتصادي السوري بدورته الرابعة الذي لم يخرج عن سياق ما سبق، رغم طرحه عنواناً هاماً هو: “ثلاثية الانتعاش الاقتصادي: استثمار ومصارف ومشروعات صغيرة”، وما شابه من استياء وتكرار للمطالب ذاتها، واستعراض قوانين وقرارات سابقة، وغياب الحلول المجدية.
استياء عام
الاستياء لم يكن من جهة المدعوين من خبراء واقتصاديين ورجال أعمال فقط ممن طالما أبدوا استياءهم من التجربة التي وصفوها بـ “المهرجان”، وأن الحلول تنبع من لقاءات مع أصحاب الشأن من عمال وصناعيين لمناقشة القرارات قبل صدورها، بل جاءت هذه المرة بلسان رؤساء الغرف الصناعية والزراعية الواشية بفقدان الأمل بمقاربة الحكومة لهموم أهم القطاعات الاقتصادية، ومعالجة مشكلاتهم المزمنة.
غرف الزراعة كررت طلبها بلهجة ساخرة ممزوجة بالملل من قدم المطالبات، إذ اعترف رئيس الغرفة محمد كشتو بتكرار المطالب منذ سنوات دون تنفيذ، سواء كان لجهة إصدار السجل الزراعي الذي يعتبر من أولويات تنظيم القطاع الزراعي أسوة بالصناعي أو التجاري، أو لجهة توجيه الدعم للمنتج النهائي بدلاً من مستلزمات الإنتاج لكف يد الفساد العابثة بالقطاع، متهماً الحكومة بعدم جديتها بتغير الرؤية للقطاع واعتباره قطاعاً اقتصادياً، ووضع سياسات بناء على تلك الرؤية.
ردود انفعالية
كما أن الغاية الأهم للملتقى هي استمزاج الآراء، ومناقشة الخبراء لتلاقح الأفكار، واجتراح حلول قد تغيب عن أصحاب القرار، لكنها لم تحظ بالاهتمام، بل صاحبها انفعال في بعض الأوقات، والتحيز لآلية عمل الحكومة بردود تختلف بحسب طبيعة المسؤول، فوزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك الدكتور عمرو سالم ظهر انفعاله جلياً بعلو صوته وتأكيده أن “عدم المعرفة بالشيء لا يعني صحته” كجواب على سؤال للدكتور علي كنعان حول آلية التسعير المعتمدة في الوزارة كون الأسعار العالمية لمادة الزيت النباتي على سبيل المثال أقل بكثير من سعره المحلي، مؤكداً اطلاع الوزارة على بورصة الأسعار العالمية، بينما نفى كنعان الأمر وقال: بناء على معلومات من مديرية التسعير، فإن الوزارة تقوم بالتسعير بناء على الفاتورة المقدمة من التاجر.
أسئلة معلّقة
انتهى الملتقى ولاتزال الأسئلة الملحة معلّقة دون إجابات واضحة، كما طرحها بعض الخبراء الحاضرين، وتتمثّل بعدم بحث الحكومة عن آليات تمويلٍ للمشاريع القائمة وقيد الإنشاء بعد تصنيفها بين متضررة كلياً أو جزئياً لتقديم التمويل اللازم بناء على دراسة واقعية، ما يضمن عودتها للعمل، كذلك وجوب البحث عن آليات تساعد تلك المشاريع في إجراءات التراخيص الجديدة التي تحتاجها المنشآت المدمرة، بالتوازي مع دراسة مستلزمات كافة المشاريع من المواد الأولية، والسماح باستيراد غير المتوفر منها للعملية الإنتاجية والصناعية ليتم تصنيعها وتوزيعها في السوق المحلية، والفائض يوجّه للتصدير، على الرغم من عدم عمل الحكومة بتلك النصائح كونها تتطلب مزيداً من القطع الأجنبي، مع أنها المسار الصحيح لتحفيز الإنتاج وضمان دوران عجلته.
بعيدة عن الواقع
في المحصلة، تبدو الحكومة بعيدة عن واقع الأسعار ومستويات الدخول، وتتبع سياسات مؤقتة “ترقيع” لكل يوم على حدة، بحسب الخبير الاقتصادي الدكتور عابد فضلية، بينما يستوجب الظرف الراهن وضع سياسات استراتيجية بعيدة المدى تبدأ بالتطبيق الجزئي، وصولاً إلى اكتمال الصيغة، الأمر الذي من شأنه أن يساهم في النمو الاقتصادي، وانخفاض نسب البطالة، وزيادة الاستثمار، وجذب الصناعيين إلى العمل.
وأخيراً، يمكننا القول من مكان الحدث: إن هذه الملتقيات والمنتديات لا تطعم خبزاً للمواطن، وعليه، في هذه الفترة تحديداً، يجب التفكير من خارج الصندوق للوصول إلى فكر إنتاجي ومناخ استهلاكي إيجابي، وهذا ما يعتبر مطلب كافة المواطنين.