قانون “الجهود المهدورة”..!
قسيم دحدل
نستعيرُ هذا العنوان: قانون “الجهود المهدورة”، للوصول إلى ما نودّ طرحه مما كان ولا يزال قائماً بأشكالٍ ومضامين تثير شديد التعجب والاستغراب، والعديد من إشارات الاستفهام عند الكثير من المتابعين للإصلاح الإداري والاقتصادي عامة والمختصين خاصة.
القانون، وعلى سبيل التوضيح لماهيته، يبيّن أن الجوارح تنجح فقط في ربع محاولاتها للصيد (أي 25% نجاحاً و75% فشلاً)، ومع هذه النسبة الضئيلة، التي تشاركها فيها معظم الضواري إلا أنه من المستحيل أن تيأس وتكف عن المطاردة.
أما السبب الرئيسي في ذلك فلا يرجع للجوع، كما قد يظنّ الكثيرون، بل إلى أن الحيوانات مبنية غريزياً على استيعاب قانون “الجهود المهدورة”، وهو القانون الذي تعمل به الطبيعة كلها (نصف بيض الأسماك يتمّ التهامه – نصف مواليد الدببة تموت قبل البلوغ – معظم أمطار العالم تهطل في المحيطات – معظم بذور الأشجار تأكلها العصافير.. وغيرها وغيرها من هذه الأمثلة بما لا يُعدّ ولا يُحصى).
لكن المفارقة أن هذا القانون الذي يصحّ في عالم الحيوان والطبيعة، غريزياً، لا يصحّ في عالم البشر، نظراً لأن الإنسان – على عكس الحيوان – يُصاب باليأس بعد عدة محاولات ومجهودات فاشلة فقط.
وتكتسب الجهود المبذولة، وخاصة المميزة والمبدعة، على صعيد التنمية البشرية، أبعاداً سلبية أعمق وآثاراً أخطر، حين يتمّ تفشيل وهدر جهود الكفاءات بقصد أو دون قصد، ومن خلال عدم وضع الكفاءة المناسبة في المكان المناسب، ولاسيما بعد أن نكون قد رشحنا تلك الكفاءة لاتباع دورات دراسية تخصصية في معاهد عليا، بهدف إعدادها لتكون قيادات إدارية اقتصادية، تقود عملية الإصلاح والتحديث.
الأمثلة، على ما سلف، لا تُعدّ ولا تُحصى في شقها الإداري عندنا، وهذا أمر لا يزال غير مستوعب ومفهوم في غاياته! إذ كيف يعقل – مثلاً لا حصراً – أن نعيّن كفاءة امتلكت الشهادات العليا في اختصاصها، وفوقها شهادة في الإدارة المتطورة، وبعد سنوات عديدة من الجهود وتلقي العلوم والمعارف وتنمية الخبرات، يكون تعيينها في وزارة لا تمتّ مطلقاً لاختصاصها وخبراتها، ونريد منها ألاَّ تُفجع بالفشل وتُصاب باليأس؟!!
هذا على صعيد التنمية الإدارية، أما على الصعيد المالي، فحدث ولا حرج، فإذا أردنا أن نُحصي كمية الأموال المهدورة في شتى ميادين اقتصادنا، لعجزنا فعلاً عن إحصائها. وكذلك على الصعيد الاستثماري، كم هي الثروات والإمكانات التي هدرناها، دون أن نستطيع إحداث أي تغيير وتطوير إيجابي يُسهم في حماية وحفظ عظيم ما نملكه، لكن نهدره!!
وإذا ما انتقلنا للصعيد الزراعي، فكم من مياه لا تزال تُهدر، وكم من مساحات خضراء غالية وفي مناطق الاستقرار الأولى تغتال وتقتل، ومثلها وأكثر مما تمّ استصلاحه، معظمها – إن لم نقل كلها – هدرت وأضحت يباباً؟!!
كم؟ وكم؟ ولا نزال نهدر ونهدر من غالٍ ونفيسٍ، ولم نعتبر بعد، ونعلم أن كلّ العلوم، ومنها السيكولوجية والاقتصادية والمالية، تؤكد أن الإنسان كائن عاقل يقوده العقل والمنطق، وليس الغريزة. فما هو مقبول من مهدور الجهود في الطبيعة لا يجب أن يَصحّ أبداً في عالم البشر!!
qassim1965@gmail.com