الاقتصاد التركي في حالة يرثى لها
عناية ناصر
عانت تركيا في الآونة الأخيرة نقص في الكهرباء بسبب قطع إمدادات الغاز، وعلى الرغم من إعادة التوريد بعد سداد المستحقات المستحقة، إلا أن احتمال حدوث نقص في المستقبل يطارد تركيا وقطاعها الصناعي. فقد تسبب انقطاع التيار الكهربائي (24-28 كانون الثاني) في تكلفة تقدر بنحو 5 مليارات دولار في قطاع الصناعة. ويخشى الصناعيون، الذين لا يستطيعون الوفاء بالتزاماتهم التصديرية بسبب انقطاع الطاقة من إلغاء الطلبات من العملاء الأجانب.
كما يؤدي نقص الطاقة وارتفاع الأسعار إلى زيادة التضخم في البلاد، فمنذ بداية عام 2021 ، ارتفع سعر الغاز الطبيعي الذي تستخدمه الصناعة التركية 5.5 مرات ، كما ازداد سعر الغاز الطبيعي المستخدم في إنتاج الكهرباء أربع مرات.
الأمر اللافت للانتباه أن تعافي الاقتصاد التركي يعتمد على بعض القطاعات الحاسمة ، خاصة السيارات والسياحة، ومع ذلك ، خلال نقص الطاقة ، أوقفت شركة “رينو” لصناعة السيارات الإنتاج لمدة 15 يوماً في مصنعها في بورصة، كما أوقفت شركات صناعة السيارات مثل شركة “توفاش” الإنتاج تماماً. ويذكر أن قطاع السيارات ساهم بنسبة 11٪ من الصادرات التركية عام 2021.
يعود سبب نقص الطاقة في البلاد جزئياً إلى عدم دفع المستحقات للموردين التقليديين، وإلى خطأ أنقرة في التخطيط واتخاذ قرار مبكر بشأن عقود إمدادات الغاز. فعلى الرغم من أن حصة إيران في إجمالي إمدادات الغاز لتركيا تبلغ 16٪ وتلعب دوراً حاسماً في مصفوفة الطاقة في البلاد، إلا أن تركيا تستورد الغاز أيضاً من دول أخرى مثل روسيا وأذربيجان. وعلى الرغم من تنوع مصادر الطاقة، لم تتمكن تركيا من الحصول على الغاز المطلوب بسبب الطلب العالمي الكبير على الطاقة هذا الشتاء. ووفقاً لمحللين اقتصاديين فشلت أنقرة في اتخاذ الإجراءات المناسبة على الرغم من قسوة الشتاء المتوقعة وارتفاع أسعار النفط، إذ توقع القادة الأتراك انخفاضاً في أسعار الطاقة ، وهو ما كان من الممكن أن ينقذ التدهور في الأزمة الاقتصادية وسط تأثير كوفيد-19، لكن ذلك لم يحدث، و أدى سوء تقدير أنقرة إلى عدم تجديد عقود الغاز الطبيعي متوسطة وطويلة الأجل.
كما أدى الارتفاع المفاجئ في أسعار الطاقة الدولية إلى إجبار أنقرة الآن على شراء الغاز الطبيعي المسال من السوق الفورية. وأدى تخوفها من الأسوأ إلى إبرام صفقة مع أذربيجان لاستيراد أربعة ملايين متر مكعب إضافية من الغاز الطبيعي يومياً في شهر شباط الحالي. وصرح المتحدث باسم حزب الشعب الجمهوري المعارض، فائق أوزتراك أن حكومة أردوغان راهنت على أن أسعار الغاز الطبيعي ستنخفض، لكنها خسرت في نهاية المطاف، وتسببت هذه المقامرة في مزيد من الضغط على احتياطياتها من العملات الأجنبية ، والتي تتعرض بالفعل لضغوط كبيرة.
تواجه أنقرة مشاكل متعددة منذ أن كشفت جائحة كوفيد-19 سياسات تركيا الاقتصادية المتقلبة وعالية الخطورة، إذ وصل تضخمها السنوي إلى 49٪ ، مسجلاً أعلى مستوى له منذ 20 عاماً، وانخفضت قيمة الليرة بأكثر من 40٪ العام الماضي.
تحاول تركيا الآن درء الركود وتعلق آمالها على عائدات السياحة المتوقعة البالغة 30 مليار دولار في عام 2022 في حال توقف تفشي الوباء من جديد، و يتوقف ذلك على كيفية تعامل أنقرة مع المشاكل الاقتصادية، بما في ذلك نقص الطاقة، وربما الأهم من ذلك، مغامرتها العسكرية. فمع خروج التضخم عن السيطرة والليرة التركية في أضعف نقاطها، لم تتراجع تركيا عن استمرار احتلالها العسكري غير الشرعي لقبرص وسورية وليبيا والعراق، ورعاية الحرب في جنوب القوقاز، مما يستنزف مواردها التي هي بأمس الحاجة لها .
تجدر الإشارة إلى أن الإنفاق العسكري التركي زاد بنسبة 8.6٪ منذ عام 2010 ليصل إلى ما يقدر بنحو 20.4 مليار دولار في عام 2019 ، وهو ما يمثل 2.7٪ من الناتج المحلي الإجمالي، دون حساب تكاليف العمليات السرية ، كتمويل وتدريب وتسليح الجماعات الإرهابية، بما في ذلك تنظيم “داعش والقاعدة”. فمع استنزاف المغامرات العسكرية الموارد المالية، بالإضافة إلى قضايا الطاقة، أصبح الاقتصاد التركي في حالة يرثى لها. وينعكس هذا الآن أيضاً في استطلاعات الرأي، حيث كانت نسبة شعبية رجب طيب أردوغان عند 40.7٪ فقط في كانون الثاني، وتواصل تراجعها لتصل إلى 54.4٪.