عقابيل القوالب الجاهزة
علي بلال قاسم
للقطاع العام ذي الطابع التجاري الخارجي قدرة على فرض توازن مطلوب في السوق الداخلي، إلا أن مجريات الأمور تشي بأن قوانين وأنظمة التجارة الخارجية المعمول بها، رغم ما لحقها من تصويب وتطوير، لم ترتق إلى المستوى الذي يجب أن تكون عليه النصوص والحواضن التشريعية الناظمة لتجارة الدولة استيراداً أو تصديراً.
وإذا كان من عقدة تضع التجارة الخارجية على المحك فهي تلك المتعلقة بالقوالب الجاهزة لمجمل العمليات المتبعة، إن كانت بيعاً أم شراءً، حيث أثبتت المؤسسات المناطة بها مسؤولية التجارة الخارجية قدرة على تطبيق الروتين والتشابك بشكل يفقد القطاع فيها أي أنموذج يدل على أننا أمام تجارة حقيقية بكل ما للكلمة من معنى!
وبغض النظر عن التقويم العام وإطلاق الأحكام التي تضع الجهات العامة بالمقارنة مع نظيراتها من القطاع الخاص النشط، فإن الخوض في غمار إصلاح التجارة الحكومية، بالجملة أو المفرق، يعد ضرورة ملحة، لاسيما وأن القدرة على امتلاك زمام الأمور في السوق تستدعي نماذج وهياكل أكثر مرونة وعصرنة وانفتاحاً على التجارة الدولية التي لم تعد تعترف بالأساليب التقليدية المرتبطة بالعروض والمناقصات والعقود، وما إلى ذلك من تدابير وشروط كالشحن والتأمين وسرعة التسليم.
وهذا ما انبرت للتصدي له أحدث صرعات التجارة التي تُلقب بالإلكترونية عبر الشبكة العنكبوتية والتي تؤمن السلعة بالوسائل التقنية الأكثر تجاوباً في العالم.
ومع ذلك، نجد أن أقطاب التجارة الخارجية حريصة على السير بالنهج القديم والذي لا يخلو من الحلقات الوسيطة التي تميع الأداء وتدفعه إلى دهاليز الفساد والمحسوبية من تحت الطاولة، أما فوقها فالكلام يتعلق بالعمولات التي يستوجب تسديدها لكل من له يد في الصفقة إن بدأت ببلد المنشأ، فلن تنته عند المورد والتاجر المحلي الوكيل، ومن ثم الجهة التي يستورد لصالحها، ولحين وصول المنتج إلى المستهلك سنكون أمام وقت وأموال مهدورة ستؤثر حكماً على قيمة السلعة وسعرها النهائي.
ما أنف كله عبارة عن هوامش ربح ستدفع من جيب المواطن، ومع أننا في ظرف استثنائي فإن فتح المجال أمام تحرك القطاع العام مع الفعاليات التجارية ضرورة ملحة لتأمين الحاجات لمواجهة سلاح العقوبات، كما أن تحرير التجارة الخارجية من أي قيود يشكل انفراجاً للأزمة التي تتعرض لها آليات الاستيراد والتي تعرقلها أوجه الحصار الخارجي.
قد يقول قائل إن المرحلة تفرض استثمار كل الفرص والأدوات وعبر أي جهة عامة أو خاصة لتأمين ما تحتاجه السوق المحلية من الخارج، إلا أن أشكال الحصرية والاحتكار تضع ألف إشارة استفهام وألف علامة تعجب حول تعاطي بعض الشرائح مع الحاجة الوطنية التي تستوجب انخراط الكل في أولويات المواجهة الاقتصادية وهذا يعني عدم استفراد وسواد الأنا، لأن الجميع مسؤول ولا مكان للتهميش والإبعاد لمن يستطيع المساهمة في صمود الاقتصاد.