رشا مصري تتساءل: أين قانون الآثار الجديد؟
حلب – غالية خوجة
ما هي الظروف الإنسانية التي يأملها العاملون في مديرية آثار حلب؟ وكيف ابتكروا أساليبهم في الحفاظ على هذه الذاكرة العتيقة، ولاسيما بعد دحر الإرهابية العشرية وتحقيق الانتصار؟.
عملت في المديرية منذ عام 2000 في شعبة الهندسة ثم المباني، وكنت ممثلة مديرية الآثار في اللجنة الفنية لحماية حلب القديمة واللجنة الرئيسية، وشاركت في إعداد النظام العمراني الخاص بحلب القديمة الذي صدر عام 2007، ومثلت المديرية في عدد من المؤتمرات خارج القطر، مما منحني الخبرة الفنية والإدارية وحتى بعض الخبرة القانونية فيما يخصّ تطبيق قانون الآثار.. بهذه الكلمات بدأت إجابة رشا مصري رئيسة شعبة المباني – هندسة مدنية، ماجستير في تاريخ العلوم التطبيقية بمعهد التراث العلمي العربي بجامعة حلب.
وتابعت: قبل الأزمة كنّا في دار حميد باشا، وكان مقراً لشعبة المباني، إضافة إلى مديرية المدينة القديمة في مجلس مدينة حلب، لأن عملنا مشترك مع النافذة الواحدة، متلاحم، متكامل، فهم الجهة مانحة الترخيص والأداة التنفيذية لمديرية الآثار، ولاسيما ما يخصّ معالجة المخالفات ويطلق على الجميع مسمّى ضابطة عدلية، أما حالياً فكلّ منا في موقع منفصل وهذا يخلق بعض المعاناة في التنسيق وسرعة الإجراءات.
استرجاع قاعدة البيانات
أمّا عن كيفية التحدي الإداري والخبرة في صون البيانات والبنيان؟ فأكدت مصري: حصلنا على الأسس الإدارية والتشريعية من خلال تطبيق قانون الآثار وممارسة أعمالنا في حلب القديمة في منح موافقات الترميم والإشراف على تنفيذها، كلّ بيت فيه تحدّ وفكرة، وهذا التعامل مع الحالات المتنوعة يعطينا الفرصة للمزيد من الأفكار والمرونة لتطوير العمل.
جيل يعمل لذاكرة لم يرها
وأكملت: أثناء عملنا بين عامي 2005 و2012 أرشفنا ورقياً وإلكترونياً وأسّسنا قاعدة بيانات مهمّة، لكن، للأسف، خسرناها مع دخول العصابات الإرهابية وتدميرها الظلامي، بعد الأزمة انطلقنا من تحت (الصفر)، ولم نستطع إنقاذ سوى بعض الملفات من التدمير، والآن، نحن بحاجة إلى كادر خبير، الكادر الجديد لا يعرف ماذا تعني المدينة القديمة، لأنهم عندما التحقوا بالوظيفة كانت المدينة القديمة قد دُمّرت، فكيف سيعملون من أجل ما لم يروه؟ وأين الإمكانات والمؤهلات والمقدرات المادية والتقنية والبشرية؟ في وقت تعاني فيه البلد من الاستنزاف على كافة المستويات.
حلب الفريدة في العالم
وعن أهم التحديات في هذا المجال، قالت: أول تحدّ بعد التحرير كان أن نزيح الركام من الشوارع، وهذا يحتاج لخطة استراتيجية مدروسة، لكن، أين هي؟ أمام حاجة الناس للعودة لبيوتها سريعاً، لا بد أن نكون فريق عمل واحداً متكاملاً بين محافظة حلب ومجلس المدينة ومديرية المدينة القديمة ومديرية الآثار والمتاحف ومديرية الأوقاف ومديرية السياحة. وأضافت: بادر السيد محافظ حلب بدعوة الجهات المعنية لاجتماع موسّع يهدف لتبسيط الإجراءات لعودة الناس إلى بيوتها، وكان أن بدأنا من تحت الأنقاض، بكادر جديد وإمكانات ضعيفة جداً، آملين أن ترتفع ميزانية المديرية العامة، وبالتالي مديرية الآثار والمتاحف في حلب بما يوازي حجم العمل الحقيقي الموجود على الأرض، خاصة وأن مساحة المدينة القديمة 360 هكتاراً، ومسجلة كموقع تراثي إنساني عالمي، وحلب الوحيدة لديها مديرية آثار بينما في باقي المحافظات هناك دوائر للآثار، لذا..، نحتاج لدعم خاص يوازي حجم العمل المنوط بهذه المديرية.
إدارة الركام والموارد والبناء
وبدأنا.. وتجنّدت كوادر المديرية لفرز الأنقاض وإدارة الركام دون أن نتدرّب أو نتعلّم، بل كان عملنا وليد الأزمة، في كل مسار، كل حجر قيّم وكل أثر لا بد وأن يكون في مكانه، لإعادة إعمار البيوت بحجارتها ذاتها، وهذا يتطلب كادراً كبيراً للإشراف على عملية الفرز، ساعدتنا بعض الطاقات الشابة من منظمة الشبيبة وحملة “سوا” و”UNDP”، أما فيما يخصّ منح التراخيص فكانت الحاجة ماسة لكادر مؤهل وخبير فنياً وقانونياً، وقادر على اتخاذ القرارات المناسبة الآنية أمام أي تحدّ، لذا عملت المديرية العامة على إقامة دورات تدريبية للكوادر في مكتب اليونسكو ببيروت، ولكن، للأسف، خسرنا جلّهم بسبب الاستقالة، والسفر خارج القطر، وظروف أخرى، حيث إن الراتب لم يعد يوازي متطلبات الحياة المعيشية.
أما في مجال المراقبة فالعمل دقيق والمسؤوليات كبيرة، تقع على عاتقنا مسؤولية أية مخالفة وأي تجاوز مهما صغر بسبب ضرورة الحفاظ على معيار الأصالة الذي سجلت بموجبه مدينة حلب القديمة على لائحة التراث العالمي، فحلب القديمة تضمّ سبع مناطق عقارية عدا المواقع المسجّلة خارج الحدود، وهذا يعني أن عملنا كشعبة مبانٍ يتجاوز حدود المدينة القديمة إلى مناطق تحوي مباني مسجلة بذاتها مثل العزيزية والإسماعيلية والجميلية ومشهد الحسين وهضبة الشيخ أبو بكر ومنطقة المقامات، ونحتاج في كل منطقة -على الأقل- مهندساً ومراقباً أثرياً، كما نحتاج لوسيلة نقل مخصّصة لشعبة المباني بسبب اتساع الرقعة الجغرافية المنوط بنا مراقبتها.
أما مشاريع الترميم في القلعة والعقارات المستملكة لمصلحة المديرية وغيرها من المعالم المميزة كالأسوار والأبراج فتحتاج لميزانية ضخمة جداً، وهنا، لابد من أن نثني على دور الأمانة السورية في تمويل مشاريع الترميم والاتفاقية التي عقدتها مع وزارة الثقافة لترميم الأسواق الأثرية بالتعاون مع منظمة الآغا خان وشركة رحى وغيرها من المهتمين بإعادة الألق لحلب العريقة.
أين قانون الآثار الجديد؟
وعن دور القانون رأت أن قانون الآثار لعام 1963 وتعديلاته لا يتناسب مع مفرزات الأزمة والتحديات الجديدة الناجمة عنها. وأضافت: أصبحنا بحاجة لقانون آثار جديد يواكب مرحلة ما بعد الأزمة، وخاصة بعد تعديل النظام العمراني الخاص بالمدينة القديمة، كما نحتاج لمزيد من الدعم من كافة الجهات، والمزيد من الصلاحيات والإجراءات اللا مركزية، والأهم، لمن يجعل من الوظيفة والعمل رغبة، ويدعمها بحصانة تلائم خطورة عملنا الجسدية والمعنوية. كما نحتاج لزيادة الوعي لدى سكان المدينة القديمة ليكونوا شركاء فاعلين في الحفاظ على التراث العمراني ويعذروا إجراءاتنا القاسية أحياناً بحق البعض منهم التي نضطر لاتخاذها بموجب قانون الآثار بهدف صون التراث الذي لا يُقدّر بثمن.