“كفو”!
دمشق- بشير فرزان
يثير التطابق بين ما رصدته حلقات مسلسل “يوميات مدير عام” من حالات خلل في العمل المؤسساتي مع الواقع الوظيفي الحالي، رغم مرور سنوات عديدة على هذا العمل الدرامي، الكثير من التساؤلات عن الإصلاح الإداري، والخطوات التي تمت إلى الآن في هذا المسار، خاصة أن الكثير من الأمراض والسلبيات ما زالت تطفو على ساحة العمل المؤسساتي الوظيفي، بل وتتكاثر وتتمدد بشكل يرجح فكرة السير في الاتجاه المعاكس، والدليل على ذلك أن المؤسسات بكل أصنافها باتت مسرحاً للفكر الانتهازي، فقد كثر ما يمكن أن نسميهم “الحويصة”، أو من يندرجون في خانة “الكفو” الذين يتسابقون لابتزاز الناس بأساليبهم المأجورة، واستعراض قدرتهم على تجاوز القانون، والطعن بمنظومة العمل من أجل المنفعة الشخصية، وللأسف، الناس يبحثون عن هؤلاء لتسيير معاملاتهم تجنباً للروتين والبيروقراطية والمزاجية التي تنتزع منهم في الكثير من الأحيان صفة “المواطنة”.
لا شك أن تراكم السلبيات في العمل الوظيفي يأتي نتيجة عدم المحاسبة وعدم الالتزام بالقوانين، وهذا ما زاد من حالات التمرد الوظيفي، وحالات “التنمر” على الناس، فالاختلاف واضح بين من يلفظ عبارة “انتهى دوامي” أو “مو فاضي”، وبين من قال والابتسامة تزيّن وجهه: “تكرم عينك”، وهنا يكمن سر نجاح الأداء الوظيفي في تحقيق الغايات والأهداف المنشودة لمنظومة العمل التي لا يمكن أن تحقق المطلوب منها إلا من خلال التزامها بأدبيات وأخلاقيات الوظيفة المكتنزة بعلاقات الاحترام المتبادل، سواء بين الموظفين أنفسهم في أماكن العمل الذين تجمع بينهم روابط الزمالة، أو مع المواطنين من المراجعين وأصحاب المعاملات الذين يتوخون المساعدة وإيجاد الموظف المبادر والقادر على تقديم مؤسسته وخدماتها بأفضل صورة، وهذا ما يدخل تحت عنوان الأمانة الوظيفية، وكيفية توظيف ذلك تجاه المواطن (المراجع)، خاصة في المؤسسات الحكومية التي لها علاقة مباشرة بقضايا الناس، ولكن هذا لا يعني غض الطرف، أو إعفاء المؤسسات الأخرى من الالتزام بمسؤوليات العمل الوظيفي على اختلاف أشكاله ومواقعه.
لو تعمّقنا في الأسباب الكامنة وراء مشاهد سوء التعامل مع المراجعين والإهمال والتسيب الوظيفي التي نراها من بعض “موظفي” تلك الدوائر لوجدنا حالة من الربط غير المقنع مع الظروف التي تؤخذ هنا بشكل أحادي دون أي اعتبار لشمولية تداعياتها على الجميع، سواء كان موظفاً أو مواطناً عادياً، فصعوبة الوصول إلى المؤسسات، والازدحام، والانتظار لساعات طويلة، يوميات مشتركة بين الطرفين، وقد تكون أسهل للموظف الذي تعنى مؤسسته بتقديم التسهيلات المطلوبة له، أما بحثنا عن الابتسامة التي لا نجدها عند الكثير من الموظفين فقد اصطدم بحجة ضغط العمل، وغيرها من التبريرات المعجونة بطعم الأعباء المعيشية، وضعف الدخل، والمواجهة الخاسرة مع الكثير من المراجعين الذين يصعب التعامل معهم “بالحسنى”، سواء من أصحاب العقول المتكلّسة، أو من أولئك الناعقين بسلطة النفوذ والواسطة.
بحيادية تامة نقول: العمل هو أمانة ومسؤولية، ومن يستخف به تسقط عنه صفة الموظف الحكومي، ومهما اختلفت الظروف، وتعددت الحالات والحجج، يبقى التعامل مع المواطن بكل لباقة واحترام من أهم الأدبيات الوظيفية التي نطمح من خلالها إلى تعزيز ثقة المواطن بالمؤسسات، وطرد تلك السلوكيات السلبية المدرجة في ثقافة سوء التنظيم الإداري، وعبثية المتابعة، وغياب التقييم الصحيح لأداء بعض العاملين الذين تُعنون يوميات عملهم بانعدام الضمير والأمانة مفقودة.
لا شك في أن ثقافة التعامل مع الناس واحترامهم “لذاتهم” هي ما تساعد الموظف للارتقاء بعمله، وهذا جوهر أي إصلاح إداري، فأين مؤسساتنا من ذلك؟!