ألمانيا تحيد نفسها عن أزمة أوكرانيا
عائدة أسعد
في الأسبوع الماضي رفع المشّرعون الأوكرانيون أعلام الدول التي تقدّم مساعدات عسكرية ودبلوماسية لأوكرانيا، وتزاحمت أعلام الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا والدانمارك وبولندا وتركيا على الفضاء، بينما كان واضحاً غياب العلم الألماني بألوانه الأسود والأحمر والذهبي.
كان من الواضح خلال الأسابيع القليلة الماضية – مع اقتراب أوروبا من حافة الحرب – أن ألمانيا هي الدولة الغريبة التي تغرّد خارج السرب، فبينما قامت الولايات المتحدة وبريطانيا وبولندا بتسليم أسلحة إلى أوكرانيا، رفضت الحكومة الألمانية بشدة أن تفعل الشيء نفسه، وهي أيضاً تمنع نقل الأسلحة التي بيعت سابقاً إلى إستونيا، حيث لاقى الموقف الألماني هذا انتقاداً حاداً في جميع أنحاء القارة.
أما بالنسبة للمستشار الألماني أولاف شولتز فهو يعمل في منصبه منذ كانون الأول الماضي، وعلى رأس حكومة ائتلافية جديدة، من أجل السيطرة على وضع آمن ومستقر متناقضاً مع سياسة أنجيلا ميركل حول ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014، والتي تمكنت من وقف إطلاق النار والتسوية تحت ضغط مماثل.
لكن المشكلة تتجاوز السيد شولتز لتصل إلى ألمانيا نفسها، فالوضع في أوكرانيا يحدّد العديد من الافتراضات حول دور ألمانيا في العالم، لأن ألمانيا المتشبثة بالماضي والمتضاربة في الوقت الحاضر تكون عالقة على الأقل عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، والآن ليس الوقت المناسب لأن تكون متردّدة، فهي بحاجة إلى تأكيد نفسها كوسيط قوي وتوحيد ردّ أوروبا بشأن الوضع في أوكرانيا.
والصعوبة الأولى تاريخية، لأن ألمانيا عاقدة العزم على عدم تكرار أهوال الماضي، والبلاد حذرة للغاية بشأن الاشتباك العسكري، حيث يمتد هذا التحذير ليشمل الأسلحة التي لا تُباع عموماً إلى مناطق النزاع، أو عندما يمكن أن تصبح أدوات لانتهاكات حقوق الإنسان. ومن الناحية العملية غالباً ما تلغي المصالح الاقتصادية المبادئ، فهل يجب استخدام الأسلحة الألمانية لقتل المواطنين الروس؟
إن هذه الحجج التاريخية غير مفيدة بشكل خاص في القرن الحادي والعشرين، لكن ألمانيا لا تستطيع التغلب عليها، فالسلمية والتاريخ متأصلان بعمق في النقاش العام وخاصة في الثقافة السياسية لاثنين من الأحزاب الثلاثة التي تحكم البلاد حالياً، وهما حزب الخضر والاشتراكيين الديمقراطيين.
بالنسبة للحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي ينتمي إليه شولتز، تعتبر العلاقات مع روسيا قضية عاطفية ومتنازعاً عليها بشكل خاص، ويفخر الحزب بنهج التغيير، ويدافع العديد من أعضائه عن فكرة أن دور ألمانيا يتمحور في أن تكون منطقة عازلة بين الولايات المتحدة وروسيا بدلاً من الوقوف إلى جانب الغرب بوضوح.
والوضع نفسه بالنسبة لحزب الخضر ثاني أكبر حزب في أحزاب تحالف “إشارة المرور” في ألمانيا الذي تأسّس في إطار حركات السلام والبيئة عام 1980، وعارض نشر الأسلحة النووية الأمريكية في ألمانيا وإعادة التسلح بشكل عام. موقف الحزب تطور منذ ذلك الحين، لكن بعد أزمة أوكرانيا تصاعدت التوترات داخل الحزب على المناصب الوزارية والإصلاحات الداخلية والأولويات السياسية.
كما حذّر الائتلاف الحكومة مع تصاعد المشكلات المحلية -ارتفاع الأسعار والقيود الوبائية وخطط إزالة الكربون الطموحة التي تهدّد التوازن المضطرب في البلاد– من عدم المخاطرة بوحدتها بشأن قضية السياسة الخارجية، وذلك تماشياً مع الرأي العام الوطني. وبحسب استطلاع حديث للرأي يعارض 59 في المائة من الألمان تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا، بينما يوافق 20 في المائة فقط.
حالياً يواجه شولتز انتقادات خارجية للموقف الألماني حول الوضع في أوكرانيا، فقد وصف وزير دفاع لاتفيا إحجام ألمانيا عن تسليح أوكرانيا بأنه غير أخلاقي ومنافق، وقام باستهزاء غياب شولتز في هذه القضية بقوله على تويتر: “أين شولتز”؟