الحب والأقدار
لعلّ رقصة التانغو الشهيرة “لاكومبارسيتا” التي دخلت أشهر الأفلام العالمية تعبّر عن أبهى حالات العشق لتقارب الراقصين وانسياب خطواتهما مع الموسيقا الإيقاعية دون قواعد صارمة، وإنما وفق إحساس العاشقين، ولتأثير الرقصة على المشَاهِد الذي تتسرّب إليه مشاعر الاندماج العاطفي والروحي.
وفي صورة مقابلة يتأثر المتلقي بنداءات سكارليت في الفيلم العالمي “ذهب مع الريح”، المأخوذ عن رواية مارغريت ميتشل بالاسم ذاته، وهي تنادي زوجها، بيتلر، باستعطاف بأن يعود بعد أن اكتشفت أنها تحبه، إلا أنه لا يأبه لدموعها ويمضي بعنفوان وكبرياء بعد أن سئم من مشاعر سكارليت الباردة تجاهه، في هذه اللحظة الفاصلة تتبدل المشاعر وتصل سكارليت في الوقت الضائع لتواجه قدرها مع بيتلر الذي ذهب مع الريح.
شغل هذا الفيلم العالم على مدى أجيال وعقود، وكان ملهماً للموسيقيين والتشكيليين والكتّاب، لتجسيد حالة من حالات الحب الحزينة إثر معاناة من الإحساس بالتلاشي من قبل الطرف الآخر، وغدا موقف بيتلر أنموذجاً لكثيرين يعيشون الحالة ذاتها بتفاصيل مختلفة. بينما في فيلم “تايتنك” يغرق البطل لينقذ حبيبته وتعيش حياتها، وفي فيلم “الوعد” الأرمني تغرق الحبيبة بعد تحطّم سفينة الناجين من الإبادة كي تنقذ حبيبها الذي لم يتزوج وبقي يعيش بإحساسه بها.
أما كلاسيكيات السينما العربية، فجسّدت الكثير من قصص الحب المستمدة من الأدب، والملفت أن الأبطال الذين عاشوا الحب بأحداث الفيلم ذاقوا مرارة عذاب الحب في الحياة مثل الموسيقار فريد الأطرش وعبد الحليم حافظ وفاتن حمامة وعماد حمدي.. وغيرهم.
وقد حاول كثير من علماء النفس تفسير حالة الانجذاب العاطفي وفق رؤاهم وتفسيراتهم المختلفة، ومضوا بمحاولات إنقاذ المحبين الغارقين ببحر التشتّت والضياع والفراغ الذي يصل إلى السماء من شدة الطعنات والخيبات باللجوء إلى وسائل حماية الذات للتخفيف من آثار الفراق المدمّرة، والتي تودي في بعض الحالات إلى الانهيار والإدمان أو الاكتئاب أو تراكم الشدات النفسية التي تتحوّل مع الزمن إلى عقدة نفسية تجاه الطرف الآخر، وفي الوقت ذاته هناك آخرون يتمكنون من انتشال أنفسهم من الغرق بدائرة الحزن والاستسلام ويمضون من جديد بالحياة، متناسين آثار الحب الموجع في ذاتهم، لكن كلما هبّت ريح عاصفة أشعلت فتيل النار لمشاعر مدفونة في دهاليز الذاكرة.
ويبقى الحب حالة قدرية مرتبطة بالأقدار التي يكتبها الله على الإنسان، والوقوع بالحب حالة قدرية لا مفرّ من مواجهتها، كما قال نزار قباني:
لكنه الإبحار دون سفينة وشعورنا أن الوصول محال
واليوم يحتفلُ العشاق بعيد الحب، ويتلمّسون أوراق وردتهم الحمراء بابتسامة تحمل عطر الربيع، وفرحاً يملأ شغاف القلب والروح، هذه الوردة التي لا تغادر الحلم رغم أشواكها التي تدمي الأصابع وتذوي الروح في أحايين كثيرة.
ملده شويكاني