المحبة تاج الصحة ورائحة الأرواح
غالية خوجة
لا تكتمل صحة الإنسان العقلية والروحية والنفسية والجسدية إلا بالمحبة الخالصة التي لا تخفي أية مصلحة خاصة، لذلك كلما اتسعت المحبة ضاقت الكراهية والحقد والانتقام والثأر، وتخلّص الإنسان من الشوائب الغامقة العالقة بضميره وروحه وأخلاقه وجسده وحياته، فترى الإنسان المحب سليماً معافى، وإذا مرض بسرعة تشافى.
المحب كريم بطبعه، رؤوف بتعامله، شفاف بوعيه، يعطي أكثر بكثير مما يأخذ، ويجود بعواطفه وتعاطفه وتراحمه وأمواله، لذلك، المحبة قيمة عليا تضاف للقيم والمبادئ، فلا تصدأ، ولا تجعل القلوب تصدأ، لذلك، لا تصدأ الأرواح المُحبة ولا تشيخ، فتتجدد كل خلية بمحبة، وتأخذنا باللاشعور إلى التعاون والتضامن والتضحية، فتتألق البراءة فينا أكثر، ولا تغادرنا الطفولة، ونزهر بالمزيد من البذل والعطاء والنقاء، مدركين أن الحياة بلا محبة ليست حياة.
المحبة شجرة فروعها متنوعة، وأزهارها ملوّنة بالخير، وثمارها شموس، وأقمار دائمة الازدهار في الليل والنهار، تصون الأوطان والأهل والعائلة والصداقة والزمالة والجيرة، وتعبّر عن الوفاء والإخلاص والقيم الأصيلة بالكلمة والفعل، وتظل كوكباً للحنين والانتماء والألفة، فكم من أشخاص يعبرون معنا من الشارع ذاته، فنشعر بأرواحهم مضيئة وجاذبة، بينما نشعر أن لبعضهم أرواحاً تبعدنا عنهم إلى الشارع الآخر.
للمحبة رائحة، وللأرواح رائحة، تماماً، مثل موسيقا معطّرة بالوميض الخاطف، تملأ الكون بسحر غريب لا أحد سوى الله يعرف أسراره، لذلك، ما أجمل أن تكون روائح أرواحنا مضيئة، بارقة، معطاءة، مشرقة، تضحي من أجل الأحياء والحياة، وتحيي ذكرى الأموات ومحاسنهم، فترفع ذاتها عن المؤذيات، المكروهات، المنفّرات، السلبيات، وتجود بالخير أينما وجدت وحلّت ورحلت وتحركت وسكنت.
فهل في زمننا من قائل: يا بنيّ، يا بنيتي، المحبة محور الأرض، ومدار مجرة التبانة، وكوكب لا ينضب من القيم الإنسانية الراقية التي لا تتقن سوى المكنون الأصيل، إنها مثل الإيمان “ما وقر في القلب وصدّقه العمل”.
لولا المحبة الصافية هل ضحّى الشهداء؟ ولولا المحبة الصافية هل ضحّى الآباء من أجل الأبناء؟ وهل ضحى الأبناء من أجل الآباء؟ وهل استزاد من العلم العلماء؟ وهل تضافر المجتمع بكافة أطيافه من أجل مصيره الواحد؟ وهل بنيت الأوطان؟ وهل تواصلت وازدهرت الحضارات؟.
المحبة لا تختزل في يوم ولحظة وكائن ومخلوق، لأنها لا تقبل الاختزال بدب أحمر، ولكن، لماذا اختار العالم الدب الأحمر في عيد الحب؟! ولماذا اشتهر هذا اليوم العالمي بـ “فالنتين” الراهب الذي أشعل الشمعة على راحة يده حتى ذابت وأحرقته دون أن يشعر، فقط، لأجل أن يرى وجه حبيبته من خلال ضوء الشمعة؟.
للعالم الآخر ما يريد من الحب، لكن لنا ألا نختزل الحب بوردة حمراء، وجلسة رومانسية، وشموعٍ تضاء للحظات ثم تختفي حتى السنة القادمة، لأن الحب كما نعرفه ونعيشه جميعاً لغة التعامل الجميل طوال الحياة، لغة ردّ الجميل، لغة زراعة الجميل، لغة إبداع الحياة اليومية بطريقة جميلة تصفو معها الأرواح مثل طبيعة لا تتلوث بالسيئات والسلبيات، لا تقتطع الشجر الذي يصمد أمام الزمن والحروب من أجل أن يتدفأ إنسان يسرق أشجار مدينته وريفها، المحبة ألا يهاجر إنسان من وطنه متوهماً حياة أفضل، فيتخلى عن أبويه حتى لو كانا في القبر، وعن عائلته وبيته وأصدقائه وطفولته وذكرياته، والمحبة ألا يفسد الإنسان في وطنه والأرض، ألا يخون البشر والحجر، المحبة أن يدرك الإنسان أنه راحل إلى خالقه لا محالة، وأنه سيترك كل هذا العالم المادي دون رجعة، فهل ينظر كل منا ماذا قدم لنفسه؟ هل هناك من يتذكر مقولة الفاروق: “حاسبوني قبل أن يحاسبني الله”؟