تداعيات محتملة للقرار “7”.. مخاوف من زيادة التباطؤ الاقتصادي!
دمشق – رامي سلوم
أثار القرار الحكومي رقم “7” والقاضي بزيادة قيمة المبالغ المترتب تحويلها عبر الحسابات المصرفية للبيوع العقارية والسيارات، تحفظات عدة ولاسيما لجهة اعتماده على تسعير السيارات وفقاً لتاريخ صنعها وبمعزل عن أنواعها، وتحديده لأسعار استباقية غير حقيقية للمركبات، بالإضافة لعدم شمول أصحابها بالقرار الخاص بفتح سقف السحب أسوة بأصحاب نقاط البيع المعتمدة على “الدفع الالكتروني”، إذ يحتاج صاحب العقار أو المركبة إلى مراجعة المصرف لأيام متتالية للحصول على أمواله بشكل جزئي في كل مرة، خاصة إن كان يرغب باستثمارها في مشروعات أخرى، أو دفعها لقاء علاج، أو غيره من الأمور التي تعتبر خارج مظلة الدفع الالكتروني على الأقل بالنسبة للمتعاملين، كما أنه يستهدف الطبقة الموسطى التي تدور أموالها داخل الاقتصاد الوطني.
وينص القرار الذي أصدره رئيس مجلس الوزراء حسين عرنوس على إلزام الجهات العامة المخولة قانوناً بمسك سجلات ملكية العقارات والمركبات، والكتاب بالعدل بعدم توثيق عقود البيع والوكالات المتضمنة بيعاً منجزاً غير قابل للعزل قبل إرفاق ما يشعر بتسديد المبلغ أو جزء منه في حساب المالك.
وللعلم فإن القرار الجديد الذي يحمل الرقم 7 جاء تعديلاً لقرار سابق في قيمة السداد المطلوبة عبر الحسابات المصرفية لتصبح 15% بالنسبة للعقارات، وذلك بناء على سعرها بالقيمة الرائجة للوحدة العقارية المباعة، كما نص القرار على سداد مبلغ 3 ملايين ليرة سورية في حساب المالك بالنسبة للسيارات صاحبة سنة الصنع قبل عام 2000، و5 ملايين للمركبات التي صنعت بين عام 2000 حتى 2010، و10 ملايين للمركبات التي صنعت بين عام 2011 حتى 2015، و20 مليوناً للمركبات التي صنعت بعد عام 2016، بينما حافظ القرار على نص تجميد مبلغ 500 ألف ليرة سورية في الحساب المصرفي لمدة ثلاثة أشهر!
واعتبر أصحاب عقارات وسيارات القرار الجديد استغلالاً للفرص في غير محلها، خاصة مع إجراءات التصحيح الجارية حالياً للبيوع التي لم يتم تثبيتها للتوافق مع متطلبات الشمول في “الدعم”، لاسيما أن تلك البيوعات قد تم سداد المبالغ المترتبة عليها سابقاً بين طرفي العلاقة، ولم يتم استكمال الإجراءات الإدارية الخاصة بالتسجيل، منتقدين إلزامهم بالتعامل مع المصارف شحيحة الخدمات على حد وصفهم.
خبراء ينتقدون
وعلى الرغم من إشارة خبراء اقتصاديين إلى أن القرار يمثّل تنفيذاً للتوجهات بالتحول من المجتمع النقدي إلى الرقمي، والحفاظ على السيولة في البنوك، وضبط أسعار الصرف من خلال الحد من الطلب النقدي على الأموال، وبالتالي ضبط التضخم، إلا أنهم انتقدوه بوصفه يعرقل الحركة الاقتصادية المتباطئة أساساً، إذ أشار الخبير في إدارة المخاطر ماهر سنجر لـ “البعث” إلى أن تفعيل التوجهات للاقتصاد النقدي يشكّل ضرورة للتخلص من الشوائب الاقتصادية، خاصة في ظل الخلل الحاصل بفعل التداعيات العشوائية على الاقتصاد التي خلّفتها الحرب على سورية، غير أنه لا يتوافق من جهة أخرى مع الواقع الاقتصادي في ظل ركود متعدد الأسباب يتعلق بضعف القدرة الشرائية، وارتدادات التضخم، وأسعار الصرف.
وأوضح سنجر أن توجهات الحفاظ على السيولة تؤثر على الشركات الصغيرة والأفراد، ما سينعكس زيادة على أسعار السلع والخدمات مهما كان نوعها بوصفها الطريقة الوحيدة المتاحة لهؤلاء لتغطية التكاليف المتزايدة، فضلاً عن عدم وجود أطر قانونية صحيحة تحكم علاقة تلك المنشآت والأفراد مع المستهلكين خلافاً للمؤسسات والشركات الكبرى، لافتاً إلى أن للشركات الكبرى العديد من المنافذ لتخطي الإجراءات حتى ولو حافظت شكلياً على الإجراءات الإدارية.
وتابع سنجر بأن المنشآت الكبرى لديها حلول واسعة للاستثمار، كما تملك شركاء خارجيين، وغيرها من الحلول، ما يمكنها من الالتفاف على إجراءات حصر السيولة النقدية، وتعزيز استثماراتها في جوانب أخرى، فيما عدا إخراج أموالها من البلاد استثماراً أو تهريباً، مشيراً إلى أن استهداف الشركات الصغيرة والأفراد غير مجد، خاصة أن السيولة المالية لهؤلاء يتم تدويرها عملياً في السوق المحلية، وبالتالي فهي تدور ضمن الاقتصاد الوطني، وتحقق حراكاً ضرورياً لا يجب المساس به.
واعتبر سنجر أن جملة الإجراءات غير المترابطة من شأنها أن تمحو ما تبقى من الطبقة الوسطى وأعمالها البسيطة التي تعينها على تكاليفها المعيشية، ولا تمثّل حلاً اقتصادياً حقيقياً، داعياً إلى تحقيق دراسة متكاملة تشمل عناصر التخطيط ورجع الصدى، وتطبيقها على عينات مستهدفة، ودراسة الآثار المترتبة ومعالجتها لحظياً لتثبيت قرارات ذات فعالية حقيقية في السوق الاقتصادية.
الصدمة خطر!
وأكد سنجر أن الاعتماد على ما يسمى بالصدمة في القرارات الحكومية يصنف ضمن “المخاطر” التي تشكّل ضرراً بالغاً على الاقتصاديات، مبيّناً أن مقولة (كلام الليل يمحوه النهار) غير واقعية فيما يمس مصادر الدخل، وفي ظل واقع اقتصادي لا يحتمل التجارب، معتبراً أن الصدمة ستزيد من الحلول غير الصحيحة بالنسبة للأفراد بهدف التخلص من الأعباء المفروضة في حال عدم شعورهم بتحقيق قيمة مضافة وجدوى من القرارات التي يجب أن تعود بالخير عليهم في المقام الأول، فالسوق بشكل عام يقوم على المصلحة ضمن أطر قانونية واضحة، وليس على أسلوب تغيير القرارات بشكل متسارع يحدّ من قدرة المنشآت والأفراد على التخطيط والتسعير لفترات قصيرة بفعل تغييرها المستمر وعدم استقرارها، لافتاً إلى أن تواتر القرارات حدّ من قدرة المؤسسات على تسعير خدماتها لفترات قريبة خوفاً من أية تغييرات قد توقعها بخسائر مباشرة أو غير مباشرة.
وعليه إذا كانت غاية القرار توطين الأموال في المصارف بهدف تعزيز قيمة العملة الوطنية، وزيادة الفاعلية الاقتصادية للنظام المصرفي، غير أن الإجراءات التي تفرضها البنوك تدفع العديد من الأشخاص إلى التهرب من التعامل معها، هذا عدا الروتين، والمدة الزمنية الطويلة التي يتطلبها القيام بالعمليات المصرفية، وتحديدها في المصارف الحكومية ذات الإجراءات الأكثر تعقيداً ومماطلة، وهو الأمر البعيد تماماً عن متطلبات التحول للاقتصاد الرقمي الذي تعتبر الآنية والتسهيل من أولويات وأهداف إنجازه.