مع ازدياد الأعداد ..الهجرة استنزاف للطاقات البشرية الواعدة ..وغياب قسري للحلول !
دمشق – بشير فرزان
أرقام متزايدة للهجرة وحركة نشطة تشهدها إدارة الهجرة والجوازات بفروعها كافة نتيجة الإقبال الكبير على الهجرة إلى خارج حدود الوطن والتي تعددت أسبابها أما انعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية فتضيف إلى معاناة السوريين معاناة أخرى ترهق كاهلهم باغتراب الأب أو الابن أو الأشقاء وفقدان المعيل وخسارة الكفاءات العلمية والمهنية المدربة وهروب أصحاب رؤوس الأموال إلى الخارج كل ذلك يستدعي قرع ناقوس الخطر واتخاذ التدابير اللازمة لتلافي ذلك التسرب البشري في وقت يحتاج فيه الوطن لأبنائه لاستعادة قوته والنهوض من جديد .
فما هي أسباب الهجرة وكيف يمكن للدولة إعادة استقطاب أبنائها؟؟؟
لا شك بان الظروف الاقتصادية الصعبة كانت الأقسى على أبناء المجتمع السوري والتي شعر خلالها المواطن السوري بالغربة داخل وطنه حيث لم يكن أمامهم سوى الهروب من ذلك الواقع المرير والهجرة التي تمثل خسارة للوطن على حد قول منير علي ماجستير موارد بشرية إلا انه يجب التمييز بين فئتين تهاجران فئة تحمل شهادات جامعية ومؤهلات علمية والعمالة المدربة و المهنية وبين الفئة الثانية غير المتعلمة ولا تملك أي مهارة أو خبرة في العمل والفئة الأولى هي التي يجري حاليا استقطابها وجذبها إلى معظم دول العالم المتقدمة ولذلك لابد من العمل على رفع مستوى الخدمات الأساسية التي تهم المواطن مثل التربية والتعليم والصحة والنقل و توفير فرص عمل للشباب للتخفيف من معدلات البطالة ووضع سياسات توظيف شفافة تعتمد على الكفاءة وتبتعد عن الواسطة والمحسوبية ووضع الأجور بحيث تتناسب مع مستوى المعيشة .
ومن ناحية أخرى يولي الفكر الاقتصادي أهمية بالغة لرأس المال البشري كما أفاد الدكتور تامر حبيب وأضاف بأنه في أحيان كثيرة يتقدم رأس المال البشري من حيث الأهمية على رأس المال المادي ومن هنا نلحظ الأهمية البالغة لرصد حركية رأس المال البشري في سورية لا سيما خلال الحرب ويعلم المتابعون جميعا أن السوق السورية تعاني من بطالة كبيرة إلا أن الأخطر من ذلك كله هو تلك البطالة القسرية التي فرضتها الأزمة العميقة التي تعصف بالبلد عموما وبالاقتصاد السوري خصوصا وهنا يمكن النظر إلى كارثة فقدان العمالة السورية بأطيافها المتنوعة من مؤهلة غاية التأهيل إلى العمالة الفيزيائية العقلية من منظورين اثنين الأول يتمثل بخسارة الكتلة لعائلة من نتاج الاستثمار الذي أنفق عليه البلد لسنوات طويلة حتى أينع وصار جاهزا للانخراط في خطط التنمية الاقتصادية وليجد نفسه بين عشية وضحاها قسرا أو طوعا خارج حدود البلد وهذه خسارة اقل ما يقال فيها أنها استراتيجية.ومن وجهة نظر أخرى لا بد من الاعتراف بأهمية المبادرة إلى التفكير بكيفية إعادة هؤلاء إلى سوق العمل السورية لا سيما مع إرهاصات خطط إعادة الاعمار فإذا كان لمشروع إعادة الاعمار أولوية تتقدم على غيرها فانه وبلا شك ينبغي التفكير في الأيادي التي ستنهض بهذا المشروع ويكمن التحدي الحقيقي الآن في مدى ثبات هذه العمالة الخارجة من مواطنها الجديدة وعدم توافر القدرة أو الرغبة للعودة إلى حضن الوطن وهذه إشكالية كبيرة يوضح خطورتها الأمد الزمني الطويل اللازم لإعادة إنتاج مثل هذه الثروة فيحتاج البلد على سبيل المثال إلى 30 أو 40 عاما حتى يعيد إنتاج أستاذ جامعي متخصص أو طبيب أو مهندس كفئ من قبيل من غادر البلد لا شك اذاً أن استرجاع هؤلاء لا يقل أهمية عن استرجاع المفقودات الأثرية والإرث التاريخي الذي نزف من سورية إما من وجهة نظر انتمائية ووطنية أو من وجهة نظر اقتصادية بحتة ولا شك بان دوافع التدفق الخارجي للعمالة تتنوع بين أسباب أمنية تنطبق على آلاف السوريين الذين اضطروا لمغادرة مساكنهم وكذلك لا نغفل ضيق فرص العمل الموجودة أصلا والتي تعززت سلبيتها بانخفاض القوة الشرائية الكبيرة وارتفاع تكاليف المعيشة
تتعدد أسباب هجرة الشباب والتي زادت وتيرتها خلال السنوات الماضية حيث يرى الكثير من الباحثين الاجتماعيين أن الخيارات المتاحة أمامهم باتت نادرة لتحسين أوضاعهم المعيشية في ظل حالة القلق لدى الشباب،من المستقبل ومخاوفهم المشروعة من الوضع الاقتصادي المتردي للبلد فهناك مشكلة السكن وعدم توافر فرص عمل وضعف الدخل والغلاء بشكل عام وتلك الأسباب تدفع دون شك السوريون للهجرة بحثاً عن استقرار وعمل ومتابعة للدراسة وتختلف آثار تلك الهجرة على المجتمع باختلاف البيئة ومدى قابليتها للتأثر بخروج شخص منها أو عودته لها وقدرتها على سد النقص الحاصل في غيابه أو العكس فإذا أحدثت هجرة شخص ما فجوة لا يمكن ردمها تكون لهجرته آثار سلبية في حين تكون ايجابية إذا نظرنا إلى ما سيحصده في هجرته على المدى البعيد من مؤهلات علمية أو تحصيل مادي يمكنه من العودة وشراء مسكن أو فتح مشروع لكسب العيش
بالمحصلة على الرغم من الأعداد الهائلة التي تركت وطنها وهاجرت إلا أن هناك الكثير ممن يستطيع الهجرة لكنه أبى ذلك وأدرك الجميع في الداخل والخارج بأن خيمة صغيرة في حضن الوطن يعيش فيها حراً كريماً أفضل مئات المرات من فندق خمس نجوم بعيش فيه ذليلاً مهاناً فالوطن غالي وهو ليس فندق نغادره عندما تسوء الخدمة فيه والأهم من ذلك أنه لا كرامة خارج حدود الوطن.