أوكرانيا.. منصة واشنطن للتهديد وإلقاء المحاضرات
إعداد: هناء شروف
كشفت المكالمة الهاتفية التي لم تحقّق أي تقدّم بشأن قضية أوكرانيا بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين يوم السبت الماضي أن الولايات المتحدة هي التي تؤجّج التوترات بشكل متهور. فقد حذر بايدن القادة الغربيين من أن روسيا ستغزو أوكرانيا في 16 شباط تقريباً، متجاهلاً مطالب روسيا بالأمن، ومتجاهلاً أيضاً تساؤل بوتين المباشر عن سبب تلفيق إدارته ونشر شائعات حول غزو روسي وشيك لأوكرانيا. لقد حوّل الزعيم الأمريكي جهود الخطوة الأخيرة لتأمين السلام على الحدود الأوكرانية الروسية إلى منصة تهديدات وإلقاء محاضرات بقوله إنه إذا قامت روسيا بغزو أوكرانيا، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها سيردون بحزم ويفرضون تكاليف سريعة وشديدة على روسيا.
في الواقع استهزأ بايدن بفرصة تخفيف الاحتكاكات، وباقتراح موسكو عدم منح أوكرانيا عضوية الكتلة الأمنية، لأنه إذا كانت الولايات المتحدة تريد حقاً تهدئة التوترات، على الرغم من أن انسحاب منظمة حلف شمال الأطلسي من أوروبا الشرقية بأكملها قد يكون خطوة بعيدة جداً، فإن المطلبين الذي يمثل أحدهما رؤية والآخر علاجاً عملياً للمخاوف الفورية بشكل كامل يشيران إلى صدق موسكو واستعدادها للتخفيف من المأزق. لكن من الواضح أن الولايات المتحدة لا تريد الردّ بالمثل، حيث مباشرة بعد أن تحدث بايدن وبوتين عبر الهاتف، أعلنت الولايات المتحدة أنها ستسحب معظم دبلوماسييها من أوكرانيا، وحثّت مواطنيها على مغادرة البلاد مما دفع حلفاءها لفعل الشيء نفسه، الأمر الذي أدى إلى تصعيد التوترات بشكل مباشر.
ينتهز كبار المسؤولين الأمريكيين جميع الفرص المتاحة لإقناع العالم بأن الحرب وشيكة، لكن يبدو أنهم لا يعرفون وقت الهجوم الروسي، بل يعرفون كيف سيتمّ إطلاقه. لقد كان اقتراح بايدن لنزع السلاح المتبادل مخادعاً، لأنه عزّز أساساً شرعية وضرورة توسّع الناتو باتجاه الشرق. وأوكرانيا هي الهدف الرئيسي لحلف شمال الأطلسي في توسعها في أوروبا الشرقية، وإذا أصبحت أوكرانيا عضواً فيه يمكن للمنظمة -إن لم يكن للولايات المتحدة أيضاً- أن تضع قوات علانية عند أبواب روسيا.
والسؤال: كيف ستستفيد الولايات المتحدة من اختفاء المنطقة العازلة الأخيرة بين الناتو وروسيا؟ سوف يضطر الأوروبيون إلى فطام أنفسهم عن اعتمادهم على الغاز الطبيعي من روسيا، وسوف ينتهي التعاون بين الدول الأوروبية وروسيا فعلياً ما سيؤدي إلى خنق جهود الاتحاد الأوروبي للسعي لتحقيق الاستقلال الدبلوماسي، وتعزيز اعتماد أوروبا على الولايات المتحدة من أجل الأمن والطاقة، كما سيؤدي ذلك أيضاً إلى تعزيز ما يُسمّى تحالف القيمة الذي دعا بايدن الجانبين إلى بنائه، وهو ما يتماشى مع استراتيجية الهند والمحيط الهادئ للولايات المتحدة التي تستهدف الصين.
لقد مهّد تقاعد المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل في أواخر العام الماضي، وهي من المؤيدين المتحمّسين لأوروبا المستقلة والتي طوّرت علاقات متبادلة المنفعة مع روسيا والصين، الطريق أمام الولايات المتحدة لتخويف الأوروبيين لإعادة عقاربهم إلى الوراء إلى الحرب الباردة، وهو مسعى مرتبط بالاستراتيجيات الأمريكية على جانبي القارة الأوراسية.