المتغيرات والعوامل المناخية دفعت أسراب النحل للهجرة
دمشق – ميس بركات
على الرغم من أنّها ليست المرة الأولى التي يعاني فيها النحالون من هجرة أو موت جزء من أسراب مناحلهم، كما حصل في محافظة درعا مؤخراً، ولاسيّما أنّ ظاهرة هروب النحل لم تعد غريبة على جميع مربي النحل في المنطقة أو في دول الخارج، إلّا أن التهويل الإعلامي ومطالبات المربين بفتح تحقيق في الموضوع أثار الخوف عند باقي مربي النحل في جميع مناطق سورية، خاصّة وأنّ الحديث تضخّم ليصل إلى خسائر فادحة اقترنت بأرقام خيالية لا تمتّ للواقع بصلة، لتؤكد فيما بعد اللجنة المُكلفة من وزارة الزراعة أنّ العوامل والمتغيّرات المناخية التي تمرّ بها المنطقة تركت آثارها السلبية على القطاع الزراعي بشكل عام وتربية النحل بشكل خاص، إضافة إلى وجود إصابة مرتفعة “بأكاروس الفاروا”، والتغذية على عجينة “كاندي” الملوثة بأبواغ فطر “النوزيما”، كما أن الاستخدام العشوائي للمبيدات أثّر بشكل سلبي على هذه الخلايا، وأكدت اللجنة قلّة المرعى لتغذية النحل وعدم قدرة مربي النحل على ترحيل الطوائف خارج المحافظة.
تهويل للخسائر
النتائج التي توصلت لها لجنة وزارة الزراعة لم تُرضِ مربي النحل من جهة عدم وجود ضوابط حتى الآن للمزارعين خلال قيامهم برش الأسمدة والمبيدات الحشرية بشكل عشوائي، يؤدي إلى إصابة النحل بأمراض معيّنة أو موته أو هجرته كما حصل مؤخراً، فكشف الأسباب وحده لا يفي بالغرض ولا يحلّ المشكلة والتي ستتكرّر دوماً في حال لم يتمّ ملاحقة المزارعين وإرشادهم لأساليب رش محاصيلهم بشكل سليم، ليؤكد إياد دعبول رئيس أمانة سورية لاتحاد النحالين العرب في تصريح لـ”البعث” أن اللجنة المُرسلة من وزارة الزراعة وضعت مقترحات عدة للتعامل مع هذه المشكلة ومواجهتها، وفي حال الالتزام بها لن تتكرّر الظاهرة بشكل يدعو للتخوّف الحاصل، لافتاً إلى أن ظاهرة هجرة طوائف النحل قديمة فقد خسرت ألمانيا 32% من نحلها عام 2004 للأسباب نفسها، كذلك خسرت الولايات المتحدة الأمريكية 41% من نحلها في عام 2005.
ولم ينكر دعبول تأثير موجة الصقيع التي تعرّضت لها البلاد على مربي النحل وتعرّضه “للحبس” بخلاياه فترة طويلة، ثم هجرته مع تعمّق المنخفض، لافتاً إلى أنّ التهويل والتخوّف الكبير الذي سوّقه مربو النحل في محافظة درعا وانتشر إلى باقي المربين غير مبرّر، خاصّة وأن الخسارة لا زالت “محمولة” ولم تصل إلى نسب مئوية.
وتحدث رئيس أمانة سورية لاتحاد النحالين العرب عن المهرجان الثالث للعسل والذي سيبدأ من 20-26 من الشهر الجاري، بمشاركة 45 مشاركاً داخلياً ومشاركين اثنين خارجيين، كما سيتزامن انعقاد الملتقى العربي لتطوير تربية النحل مع هذا المهرجان، حيث سيقام بين 20-23 من هذا الشهر.
فجوة زراعية
كذلك رجّح عبد الرحمن قرنفلة “المستشار الفني في غرفة زراعة دمشق” تكرار ظاهرة هجرة طوائف النحل، ولاسيّما أننّا نعاني من فجوة معرفية في الزراعة وفي تربية النحل، فجزء من مربي النحل مثقفون من جهة تربية النحل، وجزء ورث المهنة عن أهاليهم، ناهيك عن عدم وجود مفاهيم موحّدة عند جميع المربين، لتأتي ظروف الأزمة القاسية على النحل من جهة انتشار الأمراض وقلّة المستلزمات وغيرها من العوائق التي وقفت عائقاً لسنوات في طريق هذه المهنة التي تُعدّ في دول العالم فناً، وتمّ إنشاء دراسات عميقة للتعامل مع النحل. ولفت قرنفلة إلى ضرورة وجود قناة تلفزيونية متخصّصة بالزراعة في بلدنا، خاصّة وأننا بلد زراعي واقتصادنا يقوم أولاً وأخيراً على الزراعة، الأمر الذي يحتاج للكثير من الاهتمام والتوعية لا البقاء على الأساليب البدائية المتخلّفة.
وعن الخسارة الاقتصادية لهجرة طوائف النحل، أكد قرنفلة عدم اقتصار أهمية النحل على إنتاج العسل فقط، بل الإسهام في زيادة الإنتاج الزراعي باعتباره المسؤول عن تلقيح معظم النباتات، فإذا اختفى النحل عن الأرض لن يبقى للبشرية سوى بضعة أعوام، وبالتالي هجرة أسراب النحل أو موتها سيشكل خسارة اقتصادية هائلة في حال تكرّرت الظاهرة، الأمر الذي يحتاج لحلول وقائية إسعافية لا الانتظار للوقوع في المطب مرات أخرى.