باشراف أردوغان… وكالات “إنفاذ القانون والخدمات الخاصة” تختطف المعارضين
البعث السبوعية- سمر سامي السمارة
في الآونة الأخيرة، كانت وسائل الإعلام المختلفة تنشر العديد من التقارير حول تورط وكالات “إنفاذ القانون التركية والخدمات الخاصة” التي يشرف عليها أردوغان مباشرة في عمليات غير قانونية بشكل سافر في العديد من البلدان.
فقد قامت الوكالات التركية في السنوات الأخيرة باختطاف عشرات الأشخاص في دول مختلفة. ومنذ عام 2016، أو بعد محاولة الانقلاب التي اتهمت أنقرة فتح الله غولن الذي يعيش الآن في الولايات المتحدة بالوقف وراءه، بلغ عدد المختطفن التقديري لـ “أنصار غولن” خارج تركيا 200 شخص، وكان وزير الداخلية التركي سليمان صويلو كشف في وقت سابق عن هذا الرقم.
في الحقيقة، من الواضح أن السياسة الخارجية التركية أصبحت عدوانية بشكل متزايد، حيث يتجلى هذا بوضوح مع ارتفاع أعداد عمليات الاختطاف غير القانونية، الشبيهة بعمل العصابات. فقد جرى اختطاف المعلم الأكاديمي “فيسيل أكاي” الذي يعيش في منغوليا منذ أكثر من 20 عاماً، ويدير شبكة مدارس خاصة في جميع أنحاء البلاد، من قبل شخصيات مجهولة الهوية أثناء ذهابه إلى المدرسة في 27 تموز 2018، ثم هبطت طائرة خاصة، هي الطائرة ذاتها التي استخدمتها المخابرات التركية في اختطاف مدرسين أتراك من كازاخستان، وحطت بالتحديد في مطار جنكيز خان الدولي في أولان باتور، العاصمة المنغولية. حاولت الطائرة تهريب الرجل إلى أنقرة تحت إشراف مباشر من جهاز المخابرات التركي، إلا أن السلطات المنغولية لم تسمح بفعل ذلك، وعملت على تعطيل عملية الاختطاف، نظراً لعدم قانونيتها.
لم يكن “أكاي” سوى واحد من بين العديد من المعلمين الأتراك، الذين حاولت أنقرة اختطافهم من خارج الحدود التركية، لا سيما بعد عام 2016. لم يكن ذنب “أكاي” سوى عمله كمنسق لمدارس “إيمباثي” الخاصة في منغوليا، التي قيل أنها مرتبطة بحركة “غولن” في منغوليا. لكن الغريب في الأمر أن السلطات التركية لم تحاول التحقق قانونياً إزاء مشاركة “أكاي” من عدمها في نشاطات الحركة المذكورة.
وقع حادث مماثل في قيرغيزستان، ففي 1 حزيران 2021، في الوقت الذي كان يزور فيه الزعيم القيرغيزي أنقرة، تم اختطاف “أورهان إناندي” مدير المدارس الثانوية التركية في البلاد وهو قرغيزي مولود في تركيا، وكان مسؤولاً أيضاً عن شبكة المؤسسات التعليمية التركية الخاصة “سبات”، في بيشكيك عاصمة جمهورية قيرغيزستان.
أصبحت مثل هذه الحوادث متكررة بشكل متزايد في أوكرانيا، موطن عدد كبير من المهاجرين الأتراك، بما في ذلك أولئك الذين يعارضون أردوغان. وبالفعل، في 11 أيلول 2020، اختطف جهاز المخابرات الوطنية التركية، السياسي الشهير “عيسى أوزر” في مدينة أوديسا الأوكرانية. وذكرت وسائل إعلام أوكرانية أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها اختطاف معارضي أردوغان من قبل القوات الخاصة التركية في أوكرانيا، ففي عام 2018 تم تهريب السياسي ورجل الأعمال “صالح زكي يجيت”، والصحفي والمدون “يوسف انان” بعيداً.
ومن الجدير بالذكر، تعرضت شخصيات المعارضة التركية للاضطهاد لأول مرة في عهد الرئيس الأوكراني بترو بوروشنكو في عام 2018 عندما تم شن غارات على اللاجئين السياسيين الأتراك. في ذلك الوقت، قام جهاز المخابرات التركية السرية- بموافقة الحكومة الأوكرانية- بإخراج “يوسف إنان”، و”صالح زكي يجيت”، منتقدي السلطات التركية الحالية، من أوديسا ونيكولاييف، وبحسب مصادر إعلامية أوكرانية، فإن هذا “التسليم” يتوقف على “الاتفاقات الشخصية بين بوروشنكو وأردوغان. كما يخشى “يونس أردوغدو”، الصحفي التركي المدرج على القائمة السوداء كزعيم للمعارضة في تركيا ويعيش الآن في كييف، من أن تسلمه أوكرانيا إلى أنقرة، كما يخشى كافة المعارضين الأتراك.
في 26 كانون الثاني الماضي، اختطفت القوات الخاصة في الجيش التركي مهاجراً سياسياً آخر وضابطاً سابقاً في الجيش التركي، وهو “نوري جوكهان بوزكير” من الأراضي الأوكرانية. وبحسب عدة وسائل إعلام تركية، تم إحضاره إلى تركيا وقد نشرت وسائل الإعلام صورة له وفيها كدمات وانتفاخات حادة في الوجه، وقبل وقت الاختطاف، زُعم أن “جوكهان” قدّم طلب لجوء سياسي في أوكرانيا. وبدورها ذكرت وسائل الإعلام التركية أن هذا “التسليم القسري” لـ “جوكهان” من قبل المخابرات التركية كان يمكن أن يوافق عليه الرئيس رجب طيب أردوغان شخصياً بموافقة صريحة من جانب الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي.
لكن الضابط المتقاعد من القوات الخاصة في الجيش التركي، “نوري جوكهان بوزكير”، لم يكن مجرد “من أتباع غولن” أو ناقداً آخر لأردوغان. ففي الآونة الأخيرة، أجرى عدة مقابلات في أوكرانيا، كشف من خلالها عن فضائح جديدة للسلطات التركية وتدخلها في العديد من الدول، حيث كانت القوات الخاصة في الجيش التركي تورد شحنات ضخمة من الأسلحة والذخيرة إلى سورية وغيرها من المناطق الساخنة في آسيا وإفريقيا منذ فترة طويلة. وخلال لقاء مع وكالة “سترانا” الأوكرانية، شرح “جوكهان بوزكير” عمليات التسليم غير القانونية التي كانت تجريها حكومة حزب العدالة والتنمية.
وبحسب مهاجر سياسي تركي آخر، ووفقاً لما ذكره الصحفي “يونس أردوغدو” سابقاً للموقع الإلكتروني الأوكراني “سترانا”، اعتاد “جوكهان” المشاركة في شحنات أسلحة غير مشروعة من تركيا إلى الشرق الأوسط، وبدوره أكد “جوكهان” هذه القصة للصحفيين الأوكرانيين ووصف بالتفصيل الأنشطة التي اضطلع بها بالمشاركة في العمليات الخاصة كضابط اتصال في جهاز المخابرات الوطنية التركية.
وقد سبق أن شغل “جوكهان” منصب ضابط في وحدات النخبة من القوات الخاصة في الجيش التركي، وشارك في العمليات العسكرية التركية في إيران وأفغانستان والبوسنة والهرسك وجورجيا وأذربيجان، ونال وقتها وسام استحقاق على خدمته.
في عام 2007، جردت المحكمة العسكرية في أنقرة “جوكهان” من رتبة نقيب، متهمة إياه بإفشاء أسرار الدولة، كما حكمت عليه بالسجن لمدة ست سنوات. وبحسب ما أشار العديد من المهاجرين السياسيين الأتراك في أوكرانيا، بدأت محاكمة “جوكهان”، بعد أن كشف عن البيانات الخاصة بإرسال تركيا شحنات من الأسلحة إلى الشرق الأوسط، وهو نشاط كان “جوكهان” متورطاً فيه سابقاً.
وبمجرد إطلاق سراحه من السجن، بدأ “جوكهان” العمل. كان يعمل بشكل أساسي في تزويد عملائه بالمعدات العسكرية ( المعدات والإمدادات الغذائية والمساعدات) في البلدان التي اُبتليت بالنزاعات المسلحة.
وفي عام 2012، عندما تحولت الحرب على سورية إلى حرب واضحة للجميع، تلقى “جوكهان” عرضاً من قائد إرهابي في سورية لبدء ارسال شحنات الأسلحة، وحينها قدم جوكهان لمسؤولي جهاز المخابرات التركية الذين سيشرفون على شحنات الأسلحة طلب هذا القائد الارهابي.
يقول جوكهان: “تم توجيه الأموال الخاصة بشحنات الأسلحة بطريقة غريبة، حيث وصلت حاويات مليئة بالدولارات إلى المدينة التركية على الحدود السورية، وكانت حركة الأموال والسلاح تتم بإشراف قوات الدرك وجهاز المخابرات العسكرية التركية حتى لا يتم إعاقتها، واستمرت تحت إشراف القائد الارهابي من الجانب السوري”.
ويضيف، إنه منذ عام 2012 لغاية عام 2015 كان يشتري -نيابة عن تركيا -سلاح بشكل رسمي، من أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى. وبعبارة أخرى، كان الموردون بشكل أساسي أعضاء سابقين في حلف وارسو واتحاد الدول المستقلة، على الرغم من توثيق العقود كشحنات أسلحة إلى تركيا.
وقال أن شحنة الأسلحة تتراوح بين مليونين وأربعة ملايين دولار، واعترف أنه خلال الفترة من 2012 وحتى 2015، عقد 49 صفقة سلاح لصالح الارهابيين في سورية. ولدعم أقواله، سلم جوكهان المراسلين الأوكرانيين أرشيف الصور ومقاطع الفيديو الخاص به الذي يتضمن العديد من هذه العمليات.
في عام 2015، هاجر جوكهان إلى أوكرانيا وحصل على تصريح إقامة هناك، وفي عام 2018، قام الضابط السابق عن طريق محامي، برفع دعوى قضائية أمام محكمة تركية لتبرئة نفسه والعودة إلى رتبته العسكرية، حيث هدد بالكشف عبر وسائل الإعلام عن حقيقة الضغوط والمضايقات التي كان على ضباط الجيش تحملها، وعن مخططات الفساد في الهياكل الحكومية التركية.
في 10 تموز 2019، أدت هذه التحركات إلى احتجاز الضابط التركي السابق في كييف بناءً على طلب أنقرة، بينما أدرجه مكتب المدعي العام التركي في نشرات الإنتربول الحمراء.
قال محامي جوكهان رومان دينسيوك، لموقع “سترانا” الأوكراني: “هناك الكثير من المعلومات الواردة من مصادر مختلفة تقول إن السلطات الأوكرانية وعدت بمساعدة الرئيس التركي في تسليم نوري جوكهان بوزكير إلى تركيا، فهذا هو أحد شروط دعم تركيا لسياسة أوكرانيا الخارجية والتعاون الاقتصادي “.
من المؤكد، أن هذا الشاهد ومرتكب الأعمال الإجرامية لصالح أجهزة المخابرات التركية أصبح خطيراً على السلطات التركية الحالية، ونتيجة لذلك، اختطفه عملاء جهاز المخابرات الوطنية التركية في 26 كانون الثاني الماضي من الأراضي الأوكرانية.