التشكيلي محمود الجوابرة في “سرديات الخوف”
يبحثُ الفنان محمود الجوابرة بعيداً في يومياته المثقلة بحمولاتها الموحشة عن خلاص يأتي مترافقاً ودفعات الألم بانتظار الولادة الموعودة بالفجر والخلاص، ربما لا تأتي هذه النهاية البيضاء لأن ما يرتكبه هذا الفنان ما هو إلا محاولات تلوين هذا البياض الكابوسي بما يقع أمام ناظريه من تلوث الحياة وفداحة الخسارة، وكأنّ القدر الذي أوجده محاطاً بكل هذا الشغف من الألوان قد أعماه عن بهجتها وتحسّس النشوة في الهواء الخفيف حين مرّ على الزرع ذات نهار من شهر اللوز، هذه القطيعة بينه وبين المتفق عليه يعيشها بكل صراحة لإيمانه أن الفنّ لا يحتمل الجمال العادي ولا ما ينشده أهل الحاجات الساذجة، بل يكمن في تلك الموجات من القلق المبدع وفي تردّد المعنى الواخز للضمير، وفي تلك الحواس المضطربة على نهايات الأصابع حين تشاركه لغتها انفعال التعبير، هو ذلك المسكون بالفجيعة ومواكبة أدوات التعبير الخلاقة عنها تعزيزاً لماهية الإنسان المسكونة بالعاطفة والحب ودفاعاً عما يليق بالحياة.
أمام لوحة هذا الفنان، لن تكون حيادياً حيال الأسئلة التي تحضر حول مقاصد هذه العناصر السوريالية الموزعة في هذا الفضاء
المتوتر، بألوانه الصريحة وخطوطه الفارقة للأشكال عن بعضها المتشابه، وقد تتجاوز خصوصية وظيفتها كعنصر ذي قيمة غرافيكية تدعم مهارة الرسم التي تلوذ وراء تردّدات الفنان الخبيئة في الجانب التقني، فتجده متفرداً في متعة المستكشف للاحتمالات التجريبية، ويظهر جلياً في ذلك المفصل الغائب عن السؤال: متى تنتهي هذه اللوحة العنيدة بفكرتها.. أم أن متعة الرسم لا حدود لها، وما على الرسام إلا أن يبقى ملوثاً بالألوان وأسئلة الغياب والعزلة والعيش مع حقيقة التجريب والتفاعل الجمالي انتصاراً لحقيقة الذات في الوجود وتأكيداً لدورها في مقاومة الموت والعدم.
“سرديات الخوف” عنوان المعرض الذي افتُتح مساء أمس في صالة عشتار للفنون الجميلة بالعدوي للفنان محمود الجوابرة، وسبق أن أقام قبل سنوات معرضاً في صالة الآرت هاوس بدمشق بعنوان “ليل العالم”، وقبل ذلك معارض عديدة على المستوى الجماعي، فهو الفنان الحاضر في التشكيل السوري منذ عقود على مستوى إنتاج اللوحة وإدارة الحياة التشكيلية من خلال اتحاد الفنانين التشكيليين كواحد من أبرز النقابيين وأكثرهم حرصاً على تطوير العمل النقابي وتعزيز الثقافة التشكيلية.
أكسم طلاع