علامَ يتكئ بايدن في تكهناته؟
طلال ياسر الزعبي
لا يزال الرئيس الأمريكي جو بايدن يطلق التكهنات بشأن هجوم روسي وشيك على أوكرانيا، رغم أن جميع المعطيات الواردة من موسكو وحتى من كييف ذاتها تؤكد أن هذا الأمر ليس وارداً على الأقل في الوقت الراهن، فما الذي يدفع بايدن إلى إصدار مثل هذه التصريحات، وعلام يبني فرضيّته؟.
في الحقيقة بات معلوماً لدى الجميع أن الحديث عن غزو روسيا لأوكرانيا كان صناعة إعلامية أمريكية بامتياز، حيث تبدأ الدعاية من تصريحات المسؤولين الأمريكيين الممنهجة حول الأمر، ثم يتم الإيعاز إلى وسائل الإعلام الأمريكية بتضخيم هذا الأمر حتى يبدو طبيعياً تناقله من وسائل الإعلام الغربية والعالمية التي تسير في النهج ذاته.
وأدرك المسؤولون الروس منذ البداية أن الأمر تسوّقه وسائل الدعاية الأمريكية التي تنقل عنها وسائل الإعلام الغربية مثل هذه التنبّؤات، حيث لابد لهذا التوجّه من تطعيمه بتصريحات متتالية للمسؤولين الأمريكيين لمنع الرأي العام العالمي من التفكير في احتمال عدم وجود نيّة روسية للقيام بهذا الفعل، وبالتالي كان على المسؤولين الروس أن يواجهوا الدعاية التي يسوّقها المسؤولون الأمريكيون قبل التوجّه إلى وسائل الإعلام الأمريكية والغربية لدحض مزاعمها.
وفي وقت أعدّ الروس جميع الإجابات الممكنة للأسئلة التي يمكن أن تُطرح حول هذا الأمر، كانت الآلة الإعلامية الغربية تعمل على تفنيد الردود الروسية وإعادة طرح مجموعة جديدة من الأكاذيب التي تسوّقها في هذا الشأن، فما إن ينبري مسؤول روسي إلى تفنيد كذبة من الأكاذيب حتى تسارع هذه الآلة إلى تسويق ردّ أو أكذوبة جديدة لمسؤول أمريكي في هذا الشأن.
وحتى بعد أن تنفّست الأسواق العالمية الصّعداء بعد انحسار خطر اندلاع نزاع في أوروبا بسبب أوكرانيا، عاد الرئيس الأمريكي للحديث عن أن خطر “اجتياح” روسيا لأوكرانيا “عالٍ جداً”، على الرغم من نفي موسكو مراراً صحة هذه المزاعم، فقد نقلت وكالة “فرانس برس” عن بايدن قوله: إن “هجوماً روسياً على أوكرانيا ممكن في الأيام المقبلة”.
وأكد بايدن قبل مغادرته البيت الأبيض إلى أوهايو أن “لا نية لديه” للاتصال بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، في الوقت الذي ترفض فيه موسكو الاتهامات الغربية بالتحضير “للهجوم” على أوكرانيا، وتنفي وجود أي خطط من هذا القبيل لديها.
ولكن المتابع لما يجري الآن على الأرض من هجوم للقوات الأوكرانية على إقليم دونباس، مع جميع المعلومات السابقة حول قيام واشنطن بتدريب مرتزقة من المتطرفين والقوميين الأوكرانيين على حرب عصابات، يتأكد أن هناك بالفعل ما يبني عليه بايدن تكهناته، وهو أنهم يحضرون لاستفزاز موسكو عبر استهداف الناطقين بالروسية الذين يشكلون أغلبية في إقليم دونباس، لتجد موسكو نفسها مضطرة للتدخل لحماية مواطنيها، وهذا بالضبط ما كانت تسعى واشنطن مراراً من أجل الوصول إليه، فهل يتحقق ذلك بالفعل مع تصويت مجلس الدوما الروسي لصالح مشروع قرار يعترف بجمهوريتي لوغانسك ودانيتسك، واستقلال دونباس.