أين السينما العربية اليوم..؟
السينما العربية في عصر الضياع ما زالت تراوح في مكانها، فكلّ الصادقين المخلصين يعرفون هذه الحقيقة ويهمسون بها في آذان الآخرين، لقد خرجت السينما العربية من عالم الفكر والفن، وأصبحت عملاً تجارياً فحسب، ومن واجبنا أن نعود بها إلى عالم الفن، لأن البلاد العربية فيها فنانون وممثلون موهوبون، وفيها من يكتب القصة الجيدة والسيناريو المتقن.
إن عمر السينما العربية يزيد اليوم على نصف قرن ونيّف، وهو عمر طويل جداً بالنسبة للسينما، لأن عمر السينما في العالم كلّه لا يزيد على ثمانين عاماً منذ أول تفكير باستخدام الصور المتحركة في عمل روايات، فماذا فعلنا خلال النصف قرن هذا؟ وإلى أي مستوى وصلت السينما العربية في بلادنا؟.
لقد بدأت هذه السينما بدءاً متواضعاً على أيدي أفراد، ثم قفزت إلى مستوى عالٍ فعلاً على أيدي مخرجين مبدعين، وقد ظلّت السينما العربية من ميلادها إلى اليوم ورغم جهود كبار المخرجين (حدوتة) وحكاية حب بسيطة ترى بدايتها فتعرف نهايتها، وتتلخّص الرواية في أن أرنباً (يسمّونه عادة البطل) يرى أرنبة (يسمّونها البطلة أو النجم أو الكوكب) فيجري وراءها وتختفي منه بين الأعشاب فيبحث عنها، ثم تظهر فيجري وراءها، وهكذا إلى أن يشعر المخرج أنه استكمل الرواية والأضواء تُنار والناس يصرخون على أنغام المارش الأمريكي.
قليلون جداً من المخرجين اهتموا بالبحث عن الموضوع، وقليلون جداً من الممثلين اهتموا باختيار موضوع الروايات التي يمثلها الغالبية العظمى من الممثلين في السينما، بذلوا كل جهدهم في النزول إلى المتفرج البسيط، وكلهم يقولون لك: إن الأدباء لا يكتبون، أعطونا الموضوع الجيد نخرج لكم الفيلم الجيد، وما دمتم لا تقدّمون لنا هذا الموضوع الجيد فلا تنتظروا منا طراز الفيلم الذي تريدون.
ومن هنا نستطيع أن نقول في مجال السينما العربية: إن معظم الذين يعملون في الفيلم العربي لا يعرفون الرسالة القومية الفنية الكبرى التي يمكن للفيلم العربي أن يؤديها، ولهذا حوّلوا الميدان الفني الواسع إلى عمل تجاري وأداة لكسب الشهرة الزائفة لأنفسهم، ونحن نعرف جيداً أن الفيلم العربي بدأ بداية طبيعية شجاعة، ثم تحوّل إلى (حواديت) خالية من الروح والمعنى، وفي يومنا هذا انحدر إلى ما دون (الحواديت)، وأصبحنا لا نرى إلا تفاهات ملوّنة يسمونها عملاً فنياً، والحقيقة أن بعض المنتجين في السينما العربية يقولون: إننا نبحث عن الرواية الجيدة فلا نجدها، ونقول: إنها موجودة لمن يطلبها، أما أن يتحوّل الممثل والمخرج والمنتج إلى مؤلفين فهذا خطأ لابدّ من تصحيحه، لأننا نرفض أن يدفع المواطن ثمنه.
وأخيراً.. إن السينما العربية كعنصر ثقافي فكري فني تموت، لأن الذين يكسبون منها هم وحدهم صنّاع الأفلام، طبقة يسيرة جداً من المنتجين والمخرجين ومن يسمّونهم النجوم، وليس عدلاً أن تضيع السينما العربية التي ظهر فيها نخبة من المخرجين والمنتجين والممثلين وكتّاب الرواية والقصة بسبب الهزات الفكرية والثقافية التي أصابت الوطن العربي، فحجبت عنا ما قدّمته المرحلة السابقة التي نسميها بالذهبية في إنتاج الفيلم العربي من خلال الشاشة الكبيرة في عروض دور السينما والمسرح العربي.
د. رحيم هادي الشمخي