أكذوبة الحرية الإعلامية في حرب الألفية الجديدة
ثبت بالدليل القاطع أن الحرب الحديثة لا تستند إلى القوة العسكرية وتقنياتها، أو البشرية ودعائمها، أو الخطط والحالة النفسية لعماد تلك القوى، ولكن الانتصار اليوم يتطلب في البداية (خطة إعلامية) محكمة ذات جوانب لا تغفل شيئاً، توضح استراتيجيتها وكيفية تنفيذها وأدواتها، جنباً إلى جنب مع الخطط العسكرية، ولم تكن تلك الحقيقة الوحيدة التي كشفت عنها أحداث الغزو واحتلال العراق، ولكنها حرب قضت على أكذوبة الحرية الإعلامية التي يمثل الغرب نموذجها، ولاسيما التجربة الأمريكية، فالحرية الإعلامية هي مجرد وهم آخر صدّرته لنا الدول الكبرى.
إن الإعلام الموجّه الذي تسيطر عليه جهات بعينها ليس مقصوراً على الدول النامية، ولاسيما الدول العربية منها، ولكنه إعلام ترزح تحت سياسته مؤسّسات إعلامية طالما تباهت بمساحة الحرية الممنوحة، وبديمقراطية الرأي المتاحة التي سقطت إلى أجل غير مسمّى، مع التمهيد لحملة الغزو على العراق واحتلال أراضٍ في سورية من قبل أمريكا وتركيا، حيث ظهر سيناريو معدّ سلفاً لتوجيه الرأي العام في أمريكا نحو تقبل فكرة الحرب والاحتلالات، وفكرة ما يُسمّى «الربيع العربي» أن يصور تقبل فكرة الحرب بوصفها حرباً ذات دوافع نبيلة وأسباب إنسانية، ليواصل سيناريو الإعلام الموجّه طريقه نحو التعتيم الإعلامي، والكشف عن المعلومات التي يراد لها الوصول لتأكيد الأكذوبة ليس إلا!.
سياسة حجب المعلومات والصور، التي من شأنها أن تثير الرأي العام طبخت له الأكاذيب والافتراءات والشائعات، وهي ذاتها التي لم تتورّع في خطوة غير مسبوقة، عن كمّ الأفواه وترويع الأقلام وممارسة الإرهاب على الأرواح وتهديد أمن الإعلام، لتضمن لخطتها الإعلامية السلاسة والأمن بعد أن توخت تلك الخطة إلى تهديد مباشر من أفراد آمنوا بأهمية الكلمة والصورة، في إعلان واضح أن من آمنوا بطريق الترسانة الحربية، لا يمكن أن يكونوا دعاة إلى الديمقراطية والرأي الآخر.
وقد وجدت الولايات المتحدة أن أكاذيبها الإعلامية، وخاصة في حرب فيتنام وأفغانستان والعراق، قد كشفت من قبل العالم، وأن ما تقوم به من هيجان إعلامي لا يلقى غير الرفض الكامل من قبل دول العالم.
إن ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية من وضع برامج وتوسعات إعلامية كلفتها الآن المليارات من الدولارات كان هدفه حجب خسائرها في حروبها اللاشرعية على الدول المحبة للحرية والسلام، وأكبر مثال على ذلك حروبها في المنطقة وخاصة في العراق، حيث فقدت أمريكا آلاف الجنود والمعدات العسكرية، إلا أن إعلامها الموجّه بالسرية الكاملة لم يفصح إلا عن أعداد قليلة من القتلى والجرحى، لكن ما نُشر في دهاليز وكالة المخابرات الأمريكية يؤكد عكس ذلك، بدليل أن مقابر الجنود الأمريكان قد انتشرت في كل المدن الأمريكية إضافة إلى فقدان المئات من الجنود في أماكن عديدة.
فأين الحرية الإعلامية في الولايات المتحدة، لقد تحوّلت إلى حجب كل الحقائق التي شوهت حروب فيتنام وكوريا وأفغانستان والعراق ولم يظهر إلا ما يرضي أمريكا وتلك حقيقة الحرب في الألفية الجديدة.
د. رحيم هادي الشمخي
كاتب عراقي