الدبلوماسية الصينية والخطاب الأمريكي العدائي
هيفاء علي
انتقدت الصين عبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية الولايات المتحدة التي تجبر الدول الأخرى على قبول معاييرها الديمقراطية، وتشكيل أحلاف من خلال تمييز الدول وفقاً للقيم الأيديولوجية، وهو ما يعتبر خيانة خالصة للديمقراطية. جاء ذلك رداً على مواصلة واشنطن نشر خطابها العدائي ضد الصين، بعدما صرّح مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ في الاجتماع الرابع على المستوى الوزاري لوزراء خارجية الحوار الأمني الرباعي الذي عُقد في أستراليا قبل أيام، أن التركيز سيكون على “التحديات التي تفرضها الصين على القيم الديمقراطية والنظام الدولي”، لكن ما هو “النظام الدولي” الذي يشير إليه المسؤول الأمريكي في ظل واقع تعدّد الأقطاب الحالي؟.
هذه التصريحات المعادية للصين ليس لها أي تأثير فعليّ على الصين، لأن الديمقراطية هي قيمة مشتركة للإنسانية، وليست حكراً على عدد قليل من البلدان، وأن الأمر متروك للشعوب لتقرّر هي بنفسها إذا كان هذا البلد ديمقراطياً أم لا. وعلى الرغم من سمعتها الديمقراطية المدمرة -حسب المسؤول الصيني- إلا أن الولايات المتحدة تواصل إجبار الدول الأخرى على قبول معاييرها من خلال تشكيل التحالفات وتمييز الدول على أساس القيم الأيديولوجية، وهو خيانة خالصة للديمقراطية، وأن الولايات المتحدة، وكذلك بعض الدول الأخرى، يجب أن تستوعب توجّه العصر، وتبني الروح المناسبة، وتتخلى عن العقلية التي انبثقت عن الحرب الباردة.
هذا النداء الجديد من الصين ضد واشنطن مبرّر تماماً مرة أخرى، ويدفع للتذكير بأنه بخلاف حقيقة أن الأنظمة الغربية ليس لها أي حق أخلاقي في الادّعاء بالتحدث نيابة عن أي ديمقراطية هي نفسها غير قادرة على امتلاكها فعلياً، وهناك حقيقة أخرى هي أن العديد من الدول في العالم التي تعتبر نفسها ديمقراطية لا تؤيد النظرة الغربية التبسيطية للمسألة، والأهم من ذلك النتائج المروّعة التي تحققت لكثير من الشعوب من خلال المحاولات الغربية لتصدير رؤيتها حول ما يُسمّى الديمقراطية من خلال هجمات وحروب لا حصر لها في أركان الكوكب الأربعة، ما تسبّب في خلق المعاناة للشعوب وإلحاق الدمار الكبير ببلدانهم. وبهذا المعنى، فإن أفضل ميزة تعود إلى الولايات المتحدة هي بالتأكيد تلك التي أُعطيت لها بالفعل وهي أنها رسول زائف للديمقراطية.
وبالتالي، لن تؤدي محاولات أولئك الذين يحنّون إلى الأحادية القطبية، بقيادة واشنطن، لمحاولة إنشاء كتل جديدة لمواجهة مؤيدي النظام الدولي متعدّد الأقطاب الحالي، إلى أي شيء بالتأكيد. وهذا ليس فقط بسبب تصميم المدافعين الرئيسيين عن التعدّدية القطبية، الصين وروسيا وحلفاؤهما في معظم مناطق العالم، ولكن أيضاً لأن العالم يشهد اليوم عملية مراقبة نشطة للعمليات الجارية من قبل الدول التي كان يُنظر إليها تقليدياً على أنها داعمة للكتلة الغربية. فهذه البلدان تبتعد تدريجياً عن المبادئ، بينما تقترب بطريقة استراتيجية متزايدة من محور تعدّدية الأقطاب، لتؤكد هذه الفكرة الواقعية تماماً بأن عالم ما بعد الغرب هو واقع فعلي وسالم وخالٍ من الحروب.