سورية.. الواقع الذي لم يفهمه الغرب
علي اليوسف
انتهى عقد من الحرب الإرهابية على سورية، وما زال الغرب يقيم سياسته على واقع لم يكن موجوداً في الأصل، وهم يعلمون أنه غير موجود!. منذ البداية، أقرّ دبلوماسيون أن الدولة السورية لن تسقط، لكن على الرغم من ذلك، عمدت باريس وواشنطن ولندن للترويج بأن الدولة السورية ستسقط، لأن هذا ما أرادوه.
وبدءاً من الافتراضات الخاطئة، لم تنجح السياسة الغربية التي تمّ تطبيقها في سورية، فالشعب الأمريكي لم يكن يريد تدخلاً عسكرياً جديداً، كما هي الحال في العراق أو أفغانستان، وكان الأوروبيون منقسمين. على سبيل المثال، أراد نيكولا ساركوزي إجبار جميع الدول الأعضاء الأخرى على إغلاق سفاراتها في دمشق، والإعلان عنها علناً دون أن تنجح المشاورات مع شركائه. لقد أراد الفرنسيون والبريطانيون أن تكون لهم القيادة وأن يفرضوا قراراتهم على الآخرين، لكن ذلك لم يحصل.
في صيف 2013، استشار باراك أوباما أنجيلا ميركل التي كانت مهتمة في المقام الأول بالحفاظ على الوحدة بين الأوروبيين، وحذرة من “الإجراءات الأحادية الجانب” التي تساءلت عن شرعيتها. وبينما قامت فرنسا والمملكة المتحدة بـ”تسويق الملف”، لم يرغب الاتحاد الأوروبي -مع الممثلين الساميين مثل كاثرين أشتون ثم فيديريكا موغيريني- بلعب دور في القضية. وكان لوران فابيوس، وزير الخارجية آنذاك، يخدع نفسه أحياناً، بما في ذلك في عيون الأمريكيين. وهكذا، في أعقاب هجمات “تشارلي إيبدو”، طلب الفرنسيون من الأمريكيين أهدافاً في سورية للسماح للسلطة السياسية بإظهار عزمها وقوتها، وحينها قامت الطائرات الفرنسية بضرب مبانٍ فارغة سبق أن قصفها الأمريكيون.
عندما وصل إيمانويل ماكرون إلى السلطة، قال: “إننا سنفعل غير ذلك”، لكن لم يكن هناك نقد ذاتي من المسؤولين، كما لم يتعلّم أحد من الدروس. لذلك ما يسود اليوم هو التعب، ففي الغرب غاب الحديث عن سورية، ربما لأن الجميع قد فهم أنه كان طريقاً مسدوداً.
وبحسب كتاب السفير الفرنسي السابق ميشال ريمبو (عاصفة على الشرق الأوسط الكبير)، يقدّم الكاتب تشريحاً للصراع الدولي بين محورين وللأحلام الاستعمارية وغيرها، ناهيك عن حاجة الكيان الإسرائيلي إلى تدمير سورية، وخصّص قسماً مهماً من الكتاب للأزمة السورية، مُقدِّماً معلومات دقيقة عن بعض رموز ما سُمّي بـالمعارضة وارتباطها بالاستخبارات الأميركية وبكيفية تصنيعها من قبل الغرب.
في ص 397 من كتابه، يقول الكاتب: “في كانون الثاني 2014، روى وزير الدفاع الإيطالي السابق السيناتور ماريو مورو، أنه كان يقوم بزيارة إلى إقليم شمال العراق عام 2009، فزار ورشة بناء، وسأل عن الغاية من تشييد كل هذه المباني، فكان الجواب: “إنها للاجئي الحرب في سورية”، أي أن ذلك حصل قبل أقل من عامين على بداية الحرب على سورية. بمعنى آخر فإن التخطيط للحرب بدأ قبل كل ما وصف بـالربيع العربي”.
ورغم أهمية ما أورده ميشال ريمبو، إلا أن الأهم الذي أورده في كتابه: “إن الحرب على سورية قد خُطِّطت بمساعدة (برنامج سورية للديمقراطية) الذي تموّله إحدى المنظمات غير الحكومية المرتبطة بالاستخبارات الأميركية (سي آي إيه)، وأن العدوان الامبريالي على سورية قد تمّت برمجته منذ صيف عام 2001”.
من يقرأ بعناية تسلسل الأحداث، وتلك التي أوردها ريمبو وغيره من الكتّاب مثل أنطوان ماريوتي مؤلف كتاب (عارٌ على الغرب، كواليس الفشل الذريع في سورية)، يدرك التحليل المهمّ الذي يتخطى المعلومات، ويضع الإصبع على أحد أبرز أسباب الحرب على سورية، أي صراع المصالح الكبرى والقوى الدولية.