قراءة في المجموعة الشعرية “ليليت”
صدرت المجموعة الشعرية “ليليت” للشاعرة نجوى رحمون عن دار شذا للطباعة والنشر، وقد ضمّت بين جوانحها ٧٢ قصيدة شعرية تنوعت حروفها مابين الشعر العمودي والتفعيلة وتميّزت قصائدها بالوجدانية والوطنية والعاطفية والإنسانية، فكتبت حروفاً من ضياء الروح وجاءت القصائد عذبة المعاني والصور، وجمال حرفها كزهرة الليلك العطرة ليكون العنوان شفيفاً يعانق فضاء الحب والطفولة والحنين، فمن كثرة حبها لحفيدتها تعانق النور في بحر من أهداب الشوق ومحابر البوح بأجمل القصائد فكتبت في مقدمة الكتاب:
سأوقد أصابعي.. بحروف ليليت
لأنها تطرق كل مساء بابي
لو جافاني أحبابي تخرج بالأرق بين أهدابي
هي عطري بين طيات ثيابي
وقد اعتمدت الشاعرة في قصائدها أسلوب السهل الممتنع لتأخذنا إلى حكايا الروح، فمزجت بين الواقعية والخيال ووصفت الرجل مغردة بترانيم اللقاء وبالشوق، وكأنثى استطاعت توصيف الحالة بإحساس يفيض بجمال المعنى وذكاء الشاعرة بانتقاء المفردات لتقول بقصيدة “حكايا الروح”:
الحب هدايا القدر.. وحكايا الروح
التي أغنتني.. وتغنيك
وفي ذهول الصمت
حروف جمة في فم الريح
سادرة في الخيال.. حيناً.. وحيناً.. في اليقين
مغردة بترانيم اللقاء
وقد كان الشعر مصباحاً يوقظ في الروح فجراً والحروف لا تخاف الأعاصير، وكأنها توجّه رسالة من خلال القصيدة بأن الشعر لا يستعار ومن لايمتلك فن الإبداع والكتابة لايستطيع أن تعانقه الحروف كما تعانق الحروف روح الشاعر فكتبت في قصيدة “الشعر”:
الشعر لا يستعار
ومن العلم حروفه يستعير
الشعر مصباح.. مشكاة
يوقظ في الروح فجراً وبالقلوب ينير
للأماني معه رحلة.. ورد يرف بالشذا
فهنيئاً لمن قلمه.. أخضرالجناح
وقد غاصت الشاعرة نجوى رحمون في حالات وجدانية وإنسانية، فكتبت عن اللقيط، أولادي، الصواب، فجوة، وكلها قصائد وجدانية تلامس الروح وتهطل على القارئ كغيمة محملة بالمطر والذكريات المتوهجة وكوجه الأم يفيض بشائر حب وحنان وقد تغنّت الشاعرة بدمشق أم الحضارات ومدينة الياسمين فكتبت قصيدة بعنوان “دمشق”:
يا إلياذة الياسمين..
وسيدة العالمين
تستحم فيك النجوم
بالسكن.. والساكنين
خذيني إلى عتبة القمر
أنهل المجد رخيصاً
بعد إغفال سبع سنين
شعب مقاتل
يرتدي الشمس والسماء
الشاعرة تصور لنا الواقع كما هو وأحياناً تتجاوز ذلك للمزاوجة بين الواقع والخيال، ولخلق مناخات متنافرة تبحث من خلالها عن خلق خصوصية توضح من خلالها عمق المشكلات الإنسانية والوطنية والحب، وقد اعتمدت الشاعرة الكثافة الرمزية والإيحائية والصور البلاغية من خلال خرقها للمتداول وانزياحها عن المألوف، وفي قصيدة بعنوان “الغربة” تقول الشاعرة:
بين الجفا والوصل وهد ساشع
إن شئت وصفاً لانتمائي دلني
لولا كفاف العيش ما أزرى بنا
هذا النوى بعدا عن الحب الهني
ليل طويل لم أزل في بدئه
لا بد يمضي صانني أو ذلني
هنا يبدو الواقع حسب النص الشعري الذي تلقى فيه الوجع لتعبر عن الغربة باقتناص فني للصورة من خلال تعبيرها المباشر لما تعانيه الذات ومقاربة دلالاتها الفكرية والإيديولوجية وفي قصيدة “همس الروح” تقول الشاعرة:
يدللني بهمس دون رؤيا
ويسقيني شراب الحب ريا
يطيب لي السهاد مع أحبتي
يفارق كل إحسان.. رضيا
رغم الرمزية في القصيدة إلا أن الشاعرة استطاعت أن توصف الحالة بفكر إبداعي ورؤية فلسفية واعتمادها الإحساس المعلن والخفي نتيجة الصراع الداخلي، ونجد أن الشاعرة استخدمت عدة أساليب تنبض بالدلالات المعبرة عن المكابدات الشعورية سعياً لإثارة جذوة القراءة والقصائد تسير سيراً منسقاً ومألوفاً تشعرك وأنت تقرأها بأنك تحلق مرتفعاً لمستوى تتوهج فيه عدة قراءات جديدة بمعايير ومهارات فنية مطلوبة. ويمكن القول إن المجموعة الشعرية “ليليت” تعكس الحالة الواقعية بحداثة فنية وخصائص تتجلى في وحدة الموضوع وتكامل بنائه العضوي والفني، وقد برعت الشاعرة بتجسيد حالات الحب والغربة والوطن والذكريات والقلق فتركت للمخيلة حتى تسرح في أجواء النص وتخلق لنا لوحة تشكيلية رسمتها بمشاعرها الأنثوية.. مجموعة تستحق القراءة والغوص في قوافي الحروف والبحور ومن مقطع أخير من قصيدة بعنوان “وداع” تقول الشاعرة:
من يوم أن بارحت أرضي لم أزل
أرنو لها شوقا بلحظ وازن
تلك الربا مهما طواها خاطري
تنتابني في عمق عمق عواهني
ما إن نعي شرق الربا حتى نرى
أن الربا آلت لغرب ماجن
حرب تناساها الهدى حتى غدت
من حمأة الدنيا قرين حوائن
هويدا محمد مصطفى