فرنسا تحتفي بالذكرى المئوية لرحيل بروست
فرنسا التي احتفلت العام الماضي بمرور أكثر من 150 عاماً على ولادة كاتبها المبدع، مارسيل بروست، تحتفي هذا العام بمئوية رحيله، حيث يرحب معرض “رواية باريسية” في متحف كارنافالييه المقام حالياً في فرنسا بزواره للتعرف على تفاصيل من حياة صاحب السباعية الشهيرة “البحث عن الزمن المفقود”.
مارسيل بروست، الكاتب الذي يصنف حتى اليوم كأحد أشهر المؤلفين الفرنسيين في العالم، لا يزال شغل فرنسا الشاغل، إذ خصصت له وعلى مدار سنة كاملة مناسبات ومعارض شعبية وثقافية، نذهب عبرها في رحلة نسترجع من خلالها علاقة الكاتب بالعاصمة الباريسية، المدينة التي قضى فيها معظم حياته، فالمدن تحمل في شوارعها وأزقتها ذكرى الفنانين الذين سكنوها.
ويتضمن معرض “رواية باريسية” ما لا يقل عن 280 قطعة ما بين رسوم ومنحوتات وصور فوتوغرافية ومجسمات معمارية وإكسسوارات وملابس ولوحات زيتيّة، فضلاً عن نماذج من مخطوطات الكاتب، والنُّسَخ الأولى من كتبه ووثائق الأرشيف المأخوذة من مجموعات عمومية وخصوصية فرنسية وأجنبية.
كما تشارك إذاعة “فرنسا الثقافة” في الاحتفال، حيث ستتناول في حلقات أسبوعية على مدار عام كامل زوايا من حياة أو أدب أو اهتمامات بروست.
كتب بروست روايات كثيرة، ولكن لم يكن لها تأثير رائعته “البحث عن الزمن المفقود” التي استغرقت كتابتها 14 عاماً، فقد منحته شهرة واسعة وكانت حصيلة حياة المؤلف التي لم يتمكن من إكمالها، حيث توفي قبل أن ينتهي من تنقيح المجلدات الثلاثة الأخيرة المنشورة بعد وفاته، وتابع مهمة تحريرها شقيقه روبرت.
بدأ بروست رحلة “البحث عن الزمن المفقود”، عام 1907، وفي العام 1913 وبعد أن رفضت نشرها عدة دور، صدر المجلد الأول، وحاز على جائزة غونكور، لتكون أول سيرة ذاتية تحوز على جائزة أدبية، ثم نُشرت المجلدات الخمسة الأخرى بين عامي 1919 و1927.
إن هذه الرواية، التي تعد الأطول في العالم بعدد كلمات يتجاوز المليون، هي وبإجماع النقاد من أعظم أعمال القرن العشرين، من حيث القيمة الأدبية وجمال الأسلوب وعمق التحليل.
كتب الناقد الفرنسي جان إيف تادييه الذي أشرف على نشر أعمال بروست في سلسلة “لا بلياد” الشهيرة: “لطالما قيل إن لإنكلترا شكسبير، ولألمانيا غوته، ولإيطاليا دانتي، فإن فرنسا لا تملك أحداً يساويهم، ولكن ما يدعو للظن أن لها الآن وفي الغد مارسيل بروست نظراً لعدد الدراسات التي خُص بها”.
“البحث عن الوقت المفقود” ليست رواية فحسب، إنها عالم! في الحقيقة! إنها ثلاثة عوالم: عالم الأرستقراطيين الكبير بقسوته، وعالم البرجوازيين بفنانيه أو الذين يعتقدون أنهم كذلك؛ وعالم الخدم الصغير، والصراع الطبقي المستمر بينهم. وبين لحظة وأخرى، تلتقي جميع الشخصيات، أو تتحالف، أو تخون، أو تقع في الحب، أو حتى تكره بعضها البعض. وعندما يكتشف القارئ هذا العالم الشاسع والمتحرك، يقول في نفسه، بحسب ماتيلد بريزيت الأستاذة في الأدب الكلاسيكي، والتي نشرت مطلع هذا العام كتاباً بعنوان “عالم مارسيل بروست الكبير: “كم هو صغير العالم”. ويبدو أن بروست، الذي قال مرة إنه يأمل أن يجد كل قارئ في كتبه انعكاساً لأفكاره، قد وجد مراده من خلال صفحات كتبه السبعة.
“القوة الرئيسية لأعمال بروست جانبها المعاصر الغريب”، هذا ما قاله رئيس جمعية أصدقاء مارسيل بروست، جيروم باستيانيلي، الذي أضاف أيضاً: “بالنسبة لبروست، كان الفن هو إمكانية إلقاء نظرة جديدة على العالم، حتى في تفاهة الحياة اليومية، وجد طريقة لإثارة اهتمامنا، وفهم العالم من حولنا بشكل أفضل”.
لا بد من ذكر أن ترجمة هذه الرواية عن العربية مغامرة جميلة ومحفوفة بالمخاطر، وهنا نأخذ التجربة السورية التي بدأها المترجم السوري الراحل د. إلياس بديوي معتبراً إياها تحدياً شخصياً، وتابع مهمتها بعد وفاته المترجم السوري د. جمال شحيد.
يصف شحيد نص الرواية قائلاً: “هل نستطيع ترجمة بروست إلى العربية ترجمةً ناصعة؟ أجرؤ على تأكيد ذلك، لاسيما أن فضاءه الروائي تقاطَع كثيراً مع الفضاء الشرقي. ومع ذلك اعترضتْني صعوباتٌ عدة في أثناء ترجمته. كنتُ أقع أحياناً على جمل طويلة تبلغ 35 سطراً، فأحار من أين أبدأ”.
سنا ربيع