تفاصيل “القيمة الرائجة”
دمشق – بشير فرزان
لن نعيد النقاش والجدل في قانون البيوع العقارية وتبعاته المتعلقة باستيفاء ضريبة بيوع العقارات وضريبة إيجارها وفق القيمة الرائجة للعقارات التي تحدّدها المالية، لأنه بات أمراً واقعاً، وأي حديث يتعلّق به الآن يندرج تحت تسمية الجدل البيزنطي، وخاصة مع دخوله ساحة التنفيذ من بوابة “القرارات التي لا رجعة فيها”، باعتبارها أحد الموارد المهمّة لخزينة الدولة، والتي حقّقت عائدية كبيرة، وخفّفت من فاتورة التهرب الضريبي التي كانت هدفاً للقرارات المالية خلال الأشهر الماضية.
ولا شك أن التسليم بالأمر الواقع لا يلغي الحق في طرح التفاصيل، وانتقاد ما يتعرّض له المواطن من ابتزاز وسرقة لتنفيذ هذا القرار، “فالشيطان يكمن دائماً في التفاصيل” – كما يقال – حيث فتح هذه القرار شهية السماسرة ومعقبي المعاملات الذين استثمروا القرارات المالية بسرعة من خلال فرض أسعارهم على الناس، فكل من يريد الحصول على القيمة الرائجة لعقاره عليه دفع 50 ألف ليرة سورية، أو أكثر لمعقب المعاملات، رغم أن التكاليف أقل من ذلك، ولكن عدم توفر البنية التحتية والمقومات اللوجستية لإنجاز هذه المعاملة لدى مديريات المالية والمصالح العقارية ساهم في تسهيل ابتزاز المواطن، ودفعه للجوء إلى المعقبين، وفي المقدمة غياب الكهرباء نتيجة أوقات التقنين الطويلة التي تستدعي العودة، أحياناً، أكثر من مرة لمراجعة هذه المديريات والحصول على الأوراق المطلوبة، هذا عدا عن تكاليف النقل التي تزيد من معاناة الناس.
وكما قلنا، لن نتكلّم عن الخلل في تحديد القيم الرائجة للعقارات في بعض المناطق، ولكن سنركز على الأرقام الكبيرة التي تحدثت عنها وزارة المالية حول التغيير الإيجابي في العائدات الضريبية من القطاع العقاري بعد أن حدّد قانون البيوع العقارية مقدار الضريبة على العقارات، وذلك بمعدل 1% من القيمة الرائجة للعقارات السكنية و2% للأراضي الواقعة داخل المخطط التنظيمي المصدق و1% للأراضي الواقعة خارج المخطّط التنظيمي المصدّق و3% عن بيع العقارات غير السكنية و1% للأسطح في العقارات السكنية، بينما تخضع العقارات السكنية المؤجرة لضريبة دخل بمعدل 5% من بدل الإيجار السنوي، على ألا تقلّ عن 3 في العشرة آلاف من القيمة الرائجة للعقار المؤجر، كما تخضع العقارات غير السكنية المؤجرة لضريبة دخل بمعدل 10% من بدل الإيجار السنوي الوارد في عقد الإيجار، على ألا تقلّ ضريبة الدخل عن 6 بالعشرة آلاف من القيمة الرائجة للعقار المؤجر.
وطبعاً، الجمع بين هذه النسب سيعطي نتائج رقمية كبيرة للعائدات الضريبية، وبشكل يشرعن توجيه تساؤلات بهيئة حلول لوزارة المالية عن إمكانية فرز مندوب مالي إلى البلديات لتسهيل معاملات المواطن، وتقديم هذه الخدمة، وعن حقيقة الربط الإلكتروني بين الجهات ذات العلاقة، سواء من خلال النافذة الواحدة أو داخل الوحدة الإدارية بين مديريات المالية والمصالح العقارية والوحدات الإدارية.
وفي حال تعذّر ذلك، نسأل: هل من الصعب بعد تحصيل عشرات إن لم نقلْ مئات الملايين تأمين المحروقات للمولدات، أو تركيب الطاقة البديلة لإنجاز المعاملات بكل سهولة؟.. وهل ستبقى العدالة الضريبية في مفهوم وزارة المالية محصورة في الجباية فقط، دون الاهتمام بتحسين نوعية خدماتها ورعاية مصالح المواطن وحمايته من الاستغلال والابتزاز، بدلاً من وضعه مباشرة تحت سيطرة الفاسدين دون أي احترام لحقوقه الدستورية؟!