أردوغان يناور في سياساته الخارجية لخدمة مصالحه الانتخابية
محمد نادر العمري
في الوقت الذي لم يعد يمكن فيه إخفاء المؤشرات الواضحة للأزمات السياسية والاجتماعية في تركيا، بالتوازي مع أزماتها الاقتصادية المتنامية بشكل متزايد والتي تكاد تؤدي إلى نتائج كارثية، أعلن زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال أوغلو معارضته قرار حكومة النظام التركي بزيادة أسعار الكهرباء في البلاد، وعزمه على عدم دفعه فاتورته الخاصة إلى أن يتراجع أردوغان عن قرار رفع أسعارها، بالتزامن مع اتساع علامات الاستياء الشعبي من ارتفاع التضخم في مختلف أنحاء البلاد بعدما قفز معدل التضخم في كانون الثاني المنصرم إلى نحو 50% بعد انهيار قيمة العملة في أواخر العام الماضي، بسبب سياسة أردوغان غير التقليدية بالإبقاء على أسعار فائدة منخفضة، مما زاد تكلفة المعيشة على الأتراك الذين يعانون بالفعل لتلبية احتياجاتهم.
هذا الواقع المتمثل بما تعاني منه الليرة التركية من هبوط وتدهور متسارع، يتزامن مع انخفاض احتياطيات النقد الأجنبي وتصاعد الديون الخارجية، ناهيك عن ارتفاع نسب البطالة وتنامي الاستياء الشعبي من مجمل السياسات الداخلية والخارجية لرئيس النظام أردوغان وحكومته، ما انعكس على انخفاض نسبة تأييده إلى ما دون 39%، بحسب الاستطلاع الذي أجرته مؤسّسة “متروبول”، الأمر الذي يطرح المزيد من التساؤلات عن فرص بقائه رئيساً للبلاد.
لذلك وحتى يحلّ موعد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في حزيران 2023، يدخل أردوغان حزبه المتآكلة شعبيته سباقاً مع الزمن، في محاولة شبه يائسة لتقديم أدلة مقنعة على قدرته على إعادة الاستقرار إلى اقتصاد منهك كانت له اليد الأولى في هزّه وإضعافه نتيجة استبداده بالسلطة والحكم، بوصفه ديكتاتوراً تركياً جديداً، مفضلاً على تقريب زعماء المافيات التركية والعائلية والحزبية منه. وهو ما يجعلنا نرجح عدم تمكّنه من فعل الشيء الكثير في ضوء نهجه واتباعه السياسات نفسها التي أوصلته وبلاده إلى هذه الحال، وخاصة بعد محاولاته تشبيه نفسه بسلاطين الاستبداد العثماني وشنّه اعتداءات على دول مجاورة وإقليمية.
انطلاقاً من ذلك، يحاول رئيس النظام التركي توجيه جهوده إلى تغيير سياساته الخارجية بعد فشل اعتماده على التحركات العسكرية للجيش التركي، الذي أراد له أن يكون الجيش الأول فيما يُسمّى “مشروع طوران”.
ولخدمة هذا التوجّه ومن خلال دعم وسائل الإعلام التركية الموالية، أطلق أردوغان مزاعمه حول جدية مراجعة السياسات الخارجية، وبدء “مرحلة جديدة” تقوم على السلام والاستقرار والأمن الدبلوماسي مع دول المنطقة بعدما عاث بها الدمار والفوضى والقتل والنهب ووظّف الإرهاب ودعمه ضمن مخططاته. وتمّ تسليط الأضواء على الاجتماعات التي يجريها أردوغان مع مستشاريه ومساعديه لمناقشة المراجعة الكاملة للسياسة الخارجية، وتشكيل مجموعات عمل لتطوير العلاقات مع الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي وأرمينيا ودول الخليج ومصر ودول البلقان.
ولكن هل هذه البالونات الإعلامية التي رافقتها لقاءات دبلوماسية وزيارات محتملة وإغلاق لمحطات إعلام تتبنى أفكاراً أيديولوجية للإخوان ستفي بتحقيق الغرض؟. وفق المعطيات المتوافرة والتصريحات السياسية والإعلامية والعلاقات المتوترة بين تركيا وهذه الدول، لن ينجح رئيس النظام التركي وحزبه من الوصول لما يرمي إليه لعدة أسباب يمكن أن نوردها وفق التسلسل التالي:
أولاً: من المعلوم أن السياسة الخارجية تحقّق نتائج وفوائد على صعيد السياسة الداخلية، بشرط ألا يكون هناك امتعاض شعبي وسياسي معارض في أي نظام سياسي، وهو ما يفتقر إليه أردوغان ويعاني منه في هذا التوقيت، حيث بات خصومه السياسيون من المعارضة أكثر تنظيماً مما سبق، والبعض منهم لديه علاقات إيجابية مع دول غربية وخليجية مثل علي باباجيان وأحمد داوود أوغلو، كما أن مزاج الناخبين لا يصبّ في مصلحة دعم أردوغان وحزبه في المستقبل القريب، خاصة وأن رفع أسعار الكهرباء هو مقدمة لرفع أسعار الوقود من المازوت والغاز والبنزين، وما سيزيد من تفاقم الوضع سوءاً هو عدم انتهاج سياسة نقدية ومالية علمية وموضوعية لحلّ مشكلة التضخم بل الاستمرار في انتهاج سياسات ارتجالية.
ثانياً: من يريد أن يغيّر سياساته الخارجية بالكامل عليه أن يشّمل هذا التغيير جميع توجهاته الأخيرة وليس فقط على صعيد جزئي، كما أن عليه أن يبادر للاعتذار والاعتراف بالأخطاء التي ارتكبها مؤخراً، وهو ما يعني أن هذا التغيير آنيّ وجزئي يخدم توجهاته الشخصية وليس مصالح تركيا.
ثالثاً: ما أقدم عليه النظام التركي في عهد أردوغان من جرائم على مستوى الأقليات والدول المجاورة والإقليمية، لن ينتسى أو يُرمى خلف الظهور، حتى وإن غيّر أردوغان من سياساته تجاه هذه المكونات السياسية فإنها لن تمنحه الثقة المطلقة، لأنه أثبت أنه شخص متذبذب ليس لديه قيم ومبادئ ولا يصون الوعود والاتفاقات.
هذه الصفات اللا إخلاقية هي من أبرز سمات أردوغان، سواء في علاقاته مع كوادر حزبه الذين فضّل طردهم من الحزب حينما أصبحوا يشكلون خطراً عليه، أو فضلوا الانشقاق عندما استشعروا باستبدالهم، وهي سمات انتهجها أردوغان مع شعبه، وهو ما تظهره تصريحات بين التفضيل بينه على اعتباره يمثل صمام أمان وبين المعارضة التي تريد العبث بأمن تركيا وفق مزاعمه، ولا تتوقف سماته عند هذين المستويين، بل لطالما مثّل أردوغان قيم “العهر السياسي” عندما لاقى الانفتاح السوري والعربي عليه بتكالب ونكران جميل، وهو يبتزّ الأوروبيين بملف إنساني، ويناور في حبل العلاقات مع الروسي، وقد استثمر الملف الفلسطيني وهو يبيع مواقفه السابقة من خلال توسّله عبر وسطاء لنيل الرضا الصهيوني!.