الصين وروسيا حجر الزاوية للنظام الدولي متعدد الأقطاب
عناية ناصر
يقول الفيلسوف والمحلّل السياسي الروسي، ألكسندر دوجين، إن العالم أحادي القطب، والأيديولوجية العالمية، والهيمنة الغربية آخذين في الانهيار، وأن الولايات المتحدة لا تريد الاعتراف بذلك، وهي مستعدة لاتخاذ أي إجراء لمنع حدوث ذلك، وهكذا نشأت مشكلة أوكرانيا عندما أعلنت الولايات المتحدة أن هناك “غزواً روسياً وشيكاً”. ومع ذلك، فإن الأزمة الأوكرانية الحالية ليست في الأساس مشكلة روسية أوكرانية، بل هي مشكلة أمريكية– أوروبية، إذ أن الغاية من التحريض الأمريكي حول أزمة أوكرانيا، من وجهة النظر الأمريكية، هو تطويق روسيا وتحقيق الاستقرار في حلف الناتو.
ونظراً لأن الأعضاء الأوروبيين في الناتو في الوقت الحاضر يبتعدون بشكل متزايد عنها، تحتاج الولايات المتحدة إلى استغلال والاستفادة من أزمة أوكرانيا لتقسيم روسيا وأوروبا، ودعم الناتو وتعزيز سيطرتها على المنظمة. وتشعر الولايات المتحدة بقلق كبير بشأن عدم امتثال دول كبيرة مثل ألمانيا وفرنسا لرغباتها، الأمر الذي قد يؤدي إلى خروج العلاقات الأوروبية الأمريكية عن المسار الحالي، وهذا هو السبب الذي يجعل الولايات المتحدة تحاول يائسة إفساد مشروع خط أنابيب الغاز” نورد ستريم 2″ ومنع ألمانيا وروسيا من تشكيل أي نوع من الشراكة الاقتصادية.
إن ما فعلته الولايات المتحدة في أوروبا لاستهداف روسيا مشابه في طبيعته لعملياتها المعادية للصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، فقد كان سعي الولايات المتحدة نحو العولمة منذ الحرب العالمية الثانية في الأساس هو رغبتها في الحفاظ على عالم لها اليد الطولى فيه. بينما في الوقت الحاضر، تحاول توسيع دائرة تحلفاتها، مستبعدة الصين وروسيا. ويرجع ذلك، من وجهة النظر الأمريكية، إلى أن هاتين القوتين فقط لديهما القدرة على حماية سيادتهما.
وفي نهاية المطاف، لا تريد الولايات المتحدة ظهور دولة مهيمنة أخرى خارج أمريكا الشمالية، فالصين تعتبر ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ولديها قدرات دفاعية عسكرية كافية، في حين أن روسيا قوة عسكرية هائلة وتمتلك موارد وفيرة، وفي الوقت نفسه، فإن الدرجة العالية من التماسك الاستراتيجي بين الصين وروسيا سيكون موضع عداء من قبل جميع الدول المتحالفة تاريخياً.
إن الشراكة بين الصين وروسيا ليست تحالفاً، بل الاثنين يقدمان دعماً قوياً لبعضهما البعض سياسياً واقتصادياً، فمن خلال التعاون السياسي والاقتصادي والأمني العميق والمستقر، ستضمن الصين وروسيا وجود أكثر من قطب واحد في العالم، مما يلهم الدول الأخرى لبذل قصارى جهدها لتصبح دولاً ذات سيادة كاملة. ونظراً لأن الولايات المتحدة تدرك قوة الصين وروسيا، فقد كانت تحاول سرد قصة “توحد الصين وروسيا لتشكيل تهديدات للعالم” وتروّج باستمرار لـ”تهديدات” التعاون الصيني الروسي.
اعتادت الولايات المتحدة على الاعتقاد بأن روسيا ستندمج مع أوروبا بالطريقة التي تفضّلها بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، الأمر الذي جعلها قلقة بشكل دائم، وزادت مخاوفها مع صعود الصين كحضارة مختلفة عن الغرب. نتيجة لذلك، فإن شيطنة الصين وروسيا أمرٌ لا مفرّ منه. ومع ذلك، فإن ذلك لا معنى له لأنه لا شيء يمكن أن يوقف تنمية الصين أو الصداقة بين الصين وروسيا.
لقد أصبحت العلاقات بين الصين وروسيا حجر الزاوية للنظام الدولي متعدّد الأقطاب، حيث كانت حقبة القطب الواحد مجرد وهم عابر طيلة عقد أو نحو ذلك بعد الحرب الباردة، لكن الولايات المتحدة ما زالت تسعى للحفاظ عليه. إن الصين وروسيا موجودان في عالم لا تستطيع الولايات المتحدة اختراقه، وهما الضامنان الأساسيان لعالم متعدّد الأقطاب.