الفساد “يشفط” مليارات الدعم والفلاح يزرع بالدين.. مقترحات بتوجيهه للمنتج النهائي
دمشق – ريم ربيع
بالتزامن مع كل ما تواجهه سياسات إعادة هيكلة الدعم اليوم من نظريات وتجارب واختبارات، يترقب المزارعون ومربو الثروة الحيوانية مصير الدعم الزراعي المتركز حالياً على مدخلات الإنتاج من بذار ومحروقات وأعلاف، وسط مخاوف عديدة من تكرار أزمة البيانات والتخبّط الذي ظهر مع استبعاد فئات عدة من مظلة الدعم.
ويؤكد المزارعون ضرورة إعادة هيكلة الدعم الزراعي الذي لا يصلهم منه إلا الفتات – حسب تعبيرهم – فالمليارات التي ترصد سنوياً لدعم القطاع الزراعي والثروة الحيوانية تذهب إلى جيوب التّجار والفاسدين، وقلة قليلة من الفلاحين تستفيد منها وبحدود بسيطة، غير أن هذا المطلب يترافق في الوقت ذاته مع تحفظات كثيرة لعدم الوقوع في المطبات ذاتها، والانتقال من سيئ إلى أسوأ!.
وتتمثل الرؤية التي طرحها عاملون وخبراء في القطاع الزراعي بتوجيه الدعم نحو المنتج النهائي بدلاً من مدخلات الإنتاج، مع التأكيد على الاحتساب العادل والمنصف لآليات التسعير بما يضمن استمرار الفلاح في العمل موسماً بعد آخر، وتحقيقه نسباً منصفة من الأرباح، والعمل بالتزامن مع ذلك على إطلاق برامج التأمين الزراعي التي تحقق أرضية مستقرة للفلاح في حال خسارة المحصول لأي سبب كان.
طرفان خاسران
الخبير في الاقتصاد الزراعي مهند الأصفر أكد ضرورة التوجّه لدعم المنتج النهائي، ووضع معايير جديدة لآلية الدعم الزراعي، ففي حين تنفق الدولة المليارات على الدعم وتتحمل فوارق الأسعار، نجد أن الفائدة المحققة للفلاح محدودة جداً، ولا تحصل الدولة في النهاية على أكثر من 40% من الإنتاج، فكلا الطرفين خاسر!.
وأشار الأصفر إلى احتساب التكاليف حالياً وفق الأسعار الرائجة بخصوص السماد وأجور الآليات، أما المحروقات فيتمّ احتسابها على أساس أن الدولة تقدم جزءاً مدعوماً منها، ولكن حتى هذا الجزء لا يكفي، فيضطر الفلاح لتأمينها من السوق بسعر حرّ، معتبراً أنه يجب حساب كافة التكاليف بالأسعار الرائجة عموماً، ودراسة سعر نهائي لكل منتج لاعتماده عند الاستلام، وعليه لا بد من اتباع منهجية التشاركية في الإنتاج والدعم، وتقاسم العملية الإنتاجية ومراحل عملها، فيعطى الفلاح القيمة الفعلية لمنتجه، لا أن تُدعم المستلزمات دون استلام الإنتاج.
بالاسم فقط!
بدوره بيّن الخبير التنموي أكرم عفيف أن آلية الدعم الحالية يذهب معظمها للفساد، وتتجه للتجار ورؤساء الجمعيات، وليس للفلاح الذي لا ينال إلا جزءاً بسيطاً منها، والأفضل حالياً التوجّه لدعم المنتج النهائي أمام رفض المزارعين الشكل الحالي للدعم، وخساراتهم المتوالية دون أي تعويض.
واعتبر عفيف أن الدعم محسوب بالاسم فقط على المزارعين الذين ينتهي بهم المطاف إما خاسرين لمصلحة التّجار بعد شراء محاصيلهم بأبخس الأثمان، أو بكساد المحصول وتلفه ليتحول بالنهاية إلى أعلاف، كما حصل في موسم الفول الموسم الماضي، وكما يحدث اليوم مع المزارعين الذين تمّ إلزامهم بزراعة الشوندر رغم تأكيدهم رداءة جودة البذار، ويقفون الآن عاجزين أمام محصول يابس دون أي تعويض.
وبيّن عفيف أنه ورغم كل أحاديث الدعم، فإن أغلب الفلاحين يزرعون بالدين، وغير قادرين على التمويل بعد أن وصلت تكلفة الدونم الواحد إلى 700 ألف ليرة، كما أن التعقيدات والإجراءات الروتينية قلّصت دور مصارف التمويل والإقراض، وباتت خدماتها تتجه لغير المستهدفين بها أساساً.
أرقام الدعم
يُذكر أن موازنة 2022 خصّصت نحو 50 مليار ليرة لصندوق الدعم الزراعي، وهو الرقم ذاته الذي خصّص في موازنة العام الماضي، فيما حدّد لصندوق مشروع التحول للري الحديث 22 مليار ليرة، وكان صندوق التخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية قد قدم العام الماضي تعويضات بقيمة 6 مليارات ليرة.