مستقبل الشعوب ليس مزحة يا سيد “نيكولا”!
أحمد حسن
ما قاله المندوب الفرنسي الدائم لدى الأمم المتحدة، نيكولا دو ريفيير، في حوار صحفي تطرق فيه إلى سير العملية السياسية والدستورية في سورية أمر لا يجب أن يمر مرور الكرام، فالدبلوماسي “الكبير”، وفي مجال تعبيره عن تشاؤمه من هذا المسار، وصف “العملية السياسية والدستورية بأنها أصبحت بمثابة “مزحة”!!
والحال، فإن “القصة” ليست في التعبير بحد ذاته، فهذا أمر معتاد في توصيف “عمليات” ومسارات سياسية ودولية عدة، كما أن “القصة” ليست، أيضاً، في “مقام” الرجل، وبلاده، كفاعلين كبار في السياسة الدولية، فذلك أمر أصبح من الماضي بفعل الوقائع الجديدة من جهة، وبفعل ساسة الصدفة الفرنسيين من جهة أخرى، لكن “القصة” تتمثّل في ما ينمّ عليه ويشي به “المسكوت عنه”، و”المضمر” في استخدام هذه اللفظة تحديداً.
والأمر، فإن الرجل الذي يصف العملية السياسية والدستورية بـ “المزحة” إنما فعل ذلك لأنها لم تحقق له، ولبلاده، ولفريقها العربي والدولي، ما كانوا يطمحون إليه، وهو بكل بساطة الحصول في السياسة والدستور على ما لم ينالوه في الميدان؛ وهنا مربط الفرس، لأن “قول” الرجل، وإن كان يُضمر الحنين الدائم لزمن الانتداب البائد، فإنه لا يعبّر عنه، وبلاده، فقط، بقدر ما هو تعبير عن وجهة نظر فريق كامل في أمر خطير ومفصلي كالدستور والعملية السياسية، وهذا ما يمنحنا بدوره فكرة جليّة عن “جدّيتهم” في اتباع هذا المسار وربط خروج سورية من أزمتها به، على ما يقولون.
وبالطبع، يمكن هنا إبداء العديد من الملاحظات، فالرجل – الدبلوماسي القدير، وممثل فرنسا الحريات والأنوار – لم يجد ما يمكن أن يسمى حقيقة، هذه المرة، بـ “المزحة” في لجنة دستورية يُطلب منها تحديد مستقبل بلد مؤسس لمنظمات إقليمية ودولية، وفاعل في محيطه وإقليمه، فيما جزء كامل منها مكّون من قبل مخابرات دولة إقليمية تحتل جزءاً من أراضي هذا البلد!!.
والدبلوماسي القدير لم يجد “المزحة” في موافقة الدولة الأعظم – واشنطن – على هذه اللجنة التي يُطلب منها وضع دستور لسورية، فيما هي، أي واشنطن، تحتل جزءاً منها، وترعى فيه فصيلاً انفصالياً وضع مؤخراً مسودة دستور انفصالي لـ “منطقته”!! كما أنها ترعى، مع أنقرة، عملية تأهيل فصيل إرهابي بقرار أممي لحكم “إمارة ادلب” وفصلها عن سورية، وأكثر من ذلك، يعلن مندوبها إلى سورية، نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي، إيثان غولدريتش، عن رفض بلاده العلني لأي جهد لإخراج البلد من أزمته ما لم يكن هذا الخروج مجرد ممر إجباري للدخول في حظيرتها على نسق “الاركاع والاستتباع” المعروفة.
والأهم والأغرب من كل ذلك أن هذا “الدبلوماسي” لم يجد “المزحة” في حقيقة تعامل فرنسا العلمانية!! مع دول “ظلامية” بالكامل، ومع فصائل إرهابية مدانة بقرارات أممية عاثت فساداً وقتلاً وتفجيراً حتى على أراضي فرنسا وأوروبا ذاتها!!
خلاصة القول: ما حصل في سورية من خراب ودمار طال حياة السوريين ومعاشهم ليس مزحة يا سيد “نيكولا”، وفكرة الهيمنة وحصار الشعوب وفرض الإجراءات الاقتصادية القسرية بشكل مخالف لكل القوانين الدولية وتدمير الدول، سواء مباشرة أو عبر مجاميع إرهابية عابرة للجنسيات، ليست “مزحة” أيضاً، والأهم من كل ذلك أن دماء أبناء سورية التي روت هذه الأرض لم ولن تكون “مزحة” أبداً، بل هي وسام شرف على صدر السوريين من جهة أولى، ولعنة موصوفة ستبقى تطارد القتلة حتى النهاية من جهة ثانية.