“فنانات أوغاريت” في صالة مشوار
تُعرض حالياً في صالة مشوار بدمشق أعمال للفنانات السوريات لينا ديب، بتول ماوردي، غادة حداد، أمل زيات، علا هلال، يسرى محمد، ويحمل المعرض عنوان “فنانات أوغاريت”، كما ينقسم المعرض بين مشتركين هما التصوير والنحت ولكلّ طرف ثلاث فنانات، ولا يجمع بين هذه المجموعة أي رابط في الأسلوب فهنّ مختلفات ولا يتشابهن أبداً، مما يجعل من هذا المعرض أشبه بالحديقة الغنية التي يعرش في جنباتها الجمال ويزهو بلطف ما أبدعت هذه الكوكبة والتي ما زالت منذ سنوات تحافظ على عقد ائتلافهن كمجموعة من الجميلات يرسمن وينحتن وينشطن في الحياة التشكيلية عموماً، وقد سبق أن أقامت هذه المجموعة عدة معارض وملتقيات تحمل هذه الاسم التاريخي “فنانات أوغاريت”.
قدّمت لينا ديب مجموعة من لوحاتها ذات القطع المتوسط التي تعتمد على تقنية الحفر والطباعة بأسلوبها الخاص القائم على المزج بين التبصيم الغرافيكي لمجموعة من العناصر التي تمثل المرأة والرموز التراثية وبعض الملامح المعمارية ضمن تكوين مغلق ومحكوم يملأ سطح اللوحة بزخم كبير مع إضافة بعض الألوان التي تجعل من اللوحة مزيجاً من التصوير والحفر، وخاصة مع وجود تلك الألوان التي لا تنتمي لعائلة الحفر، فالفنانة تغرّد بتوشيحاتها اللونية بإحساس المصور الذي لا يكتفي بالخط والتهشير.
لعلّ بتول ماوردي استطاعت إثبات خصوصيتها الفنية كملونة ومصورة تتشارك مع صفاء لوحتها وإشراق ألوانها المبهجة، فضلاً عن موضوعها الأثير وهو رسم المنظر الطبيعي المفتوح للسماء والمدى وما ينطبع في الذاكرة من عوالم البهجة واللطف، وكأن العالم الذي نعيشه نظيف وبقدر وافر من أوكسجين وهواء خفيف، ففي هذا المعرض تتابع سيرتها كرسامة انطباعية تُعنى بالفرح والجمال وبرسم المشاهد التي لا ينتهي النظر عند حدود جبالها البعيدة، بل يتعداها إلى تلمس ما الذي وقع في قلب مصورها من حب.
تتقشف غادة حداد المصورة الواقعية هذه المرة وترسم بالأبيض والأسود، وقد عرفناها من خلال أعمالها السابقة الملوّنة كواحدة من الفنانات المجتهدات سعياً نحو تمكين ذاتها كرسامة تعتمد الدقة والحرفية والمبالغة في تقريب الصورة من أصلها، مع بعض الإضافات التزيينية التي تعتمد استنساخ بعض الزخارف والمنمنمات الشرقية، ربما بدأت غادة حداد تتجاوز تقديم اللوحة الصورة التي تقابل بالثناء والإعجاب وأضحت من المصورات اللواتي يدخلن مختبر متعة استكشاف القيم الجديدة من فن الرسم واستعراض مهارتها في إنجاز اللوحة المؤثرة بمجموعة من الألوان القليلة، وربما اكتفت هذه المرة بقوة تأثير الأبيض والأسود لتصل إلى جملتها التعبيرية بأن ليس كلّ الرسم جميلاً.. بل إن ما أحبه سيكون رسماً جميلاً، وبالفعل قدّمت في هذا المعرض ما تحبّ وأفلحت في كسب محبة متابعيها. وجدير ذكره أن لغادة حداد يومياتها كرسامة ومعلمة رسم للأطفال في مرسمها منذ سنوات، وقد استطاعت تأسيس العشرات منهم واستكشاف مواهبهم الواعدة.
في جانب النحت من المعرض نجد مجموعة من الأعمال الصغيرة المنفّذة بخامات مختلفة تنوعت بين الحجر والخشب والبرونز والريزين للفنانات: يسرى وأمل وعلا هلال التي اعتمدت على تأليف خاص غير تقليدي يهتمّ بالفكرة ويضع صنعة النحت التقليدية جانباً على حساب توليف المجسم واستنطاق الحركة والوقوف الحرج للمادة عند حافة سقوطها، وصولاً للتعبير وحشد العاطفة التي تسكنها الفنانة في روح جديدة، بينما تعتمد أمل الزيات خبرتها كنحاتة ذات صبر وتحدٍّ خاص في مواجهة عناد خامتها أو هشاشة الخشب على حدّ سواء، محققة قيمة بالغة في استنطاق عملها لتعبير خاص يعتمد التحوير والمبالغة، ولاسيما ما يخصّ تجسيد بعض الوجوه الآدمية أو بعض الملامح الجسدية بتميّز واضح في خبرتها كأحد العاملين في هذا المجال، مثلها مثل يسرى محمد الشغوفة بالنحت والرخام وتجريب عديد الخامات المتوفرة. ومن الفضل الاعتراف هنا بأن فن النحت هو الفن المكلف على الصعيد المادي، وقلّما يتوفر هذا الجانب عند أغلب المشتغلين فيه لضعف مردود هذا الفن في هذا الوقت الذي يعاني الناس فيه ما يعانون، إلا أن خيارات الفنان تضيق وتنتهي في حدود الأعمال الصغيرة التي يسهل تنفيذها وترويجها إن أمكن من خلال المعارض التي لا تغطي تكاليف المواد الأولية.
ملاحظة أخيرة تخصّ طريقة عرض اللوحات مع الأعمال النحتية، فمن الحق الاعتراف أنه قلّما ينجح تجاور اللوحة والمنحوتة في العرض، ولذلك يُفصل بينهما في المكان ويباعد كي لا يؤثر أحدهما على الآخر، ومراعاة في تحقيق حضور أكبر للعمل دون تشويش، إلا أن هذا العرض قد ظلم وبدا الأمر مربكاً، خاصة وأن بعض الأعمال التي تعود لفنانة واحدة نجدها موزعة في عدة زوايا متباعدة تشتّت من حضور هذه التجربة في العرض.. فبدا الأمر مختلطاً ولا يراعي مفهوم العرض التشكيلي الخلاق!.
أكسم طلاع