استراتيجية أمريكا الغامضة في سورية
“تقرير”
علي اليوسف
خلال عام 2021 ارتفع منسوب المؤشرات على وجود توجّهات جديدة للقوى الدولية والإقليمية لانفراج قادم في الملف السوري بعد 11 عاماً من الحرب الكونية التي لم تجلب لسورية سوى الدمار على كافة الأصعدة، ولكن رغم هذه المؤشرات، لاتزال الاستراتيجية الأمريكية يلفها الغموض، بل تتأرجح في كيفية التعامل مع هذا الملف، خاصة لجهة الموقف الحقيقي من استمرار احتلالها لأراض في سورية.
التفاؤل باقتراب الحلحلة يمكن أن يكون نسبياً، أو مازال في طور البحث عنه، خاصة إذا ما نظرنا الى مواقف الدول التي انخرطت في الحرب على سورية ضمن المشروع الأمريكي، تلك الدول بدأت بالتعاطي مع الوقائع الميدانية على الأرض من منطلقات مختلفة، ولأسباب كثيرة ليس أقلها الدخول في المرحلة القادمة، والانتقال إلى منحى مختلف بدلاً من المواجهة، أي الاعتراف بانتصار سورية وحلفائها على الحرب التي فرضت عليها.
هذا الانتصار يمكن قراءته من خلال دلالات كثيرة، منها على سبيل المثال الاتفاق الروسي الأمريكي حول برامج المساعدات الإغاثية، ودخولها عبر الأراضي السورية تحت سيطرة الدولة السورية، ثم غض الطرف عن عقوبات ما يسمى “قيصر” بالسماح للغاز المصري بالمرور إلى لبنان عبر سورية، إضافة إلى الكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر سورية أيضاً، ثم جاءت زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى دمشق التي ترافقت مع تسريبات عن قرب عودة دمشق إلى الجامعة العربية.
لا شك أن هذه الخطوات لم تكن مستقلة، ولم تكن لتحصل بمعزل عن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه سورية، بمعنى أن هناك خطوات- في طور البحث- تستند في خفاياها للانتقال إلى مرحلة تحقيق المصالح الأمريكية التي أصبحت تحت ضغط الزمن للتفرغ للصين التي تسير بخطا هادئة ومتوازنة للاستحواذ على صدارة القوى الدولية العظمى، ما يجعل الولايات المتحدة في المرتبة الثانية، وربما الثالثة، إضافة إلى تفاقم الانقسامات الداخلية في الولايات المتحدة نفسها، وزيادة حدة التهديدات الاقتصادية بعد تجاوز الدين العام الأمريكي 30 تريليون دولار الذي بات يفوق حجم الناتج القومي السنوي.
ولكن رغم ذلك فإن استراتيجية التخفيف من أعباء غرب آسيا وشمال أفريقيا لم تدفع الإدارة الأمريكية بعد إلى هذه المرحلة، فهي مازالت متمسكة بوجودها في المنطقة، وبالتالي الإبقاء على حالة اللااستقرار للهيمنة على قرار مسار التحولات في هذه المنطقة، فهي بوجود 900 جندي أمريكي فقط في قاعدة التنف غير الشرعية والجزيرة السورية تستطيع القيام بمزيد من الضغوط على دمشق وحلفائها، خاصة بعد فوزها في الرهان على الانتخابات النيابية في العراق إلى حد كبير، وبالتالي تغيير خطتها من الانسحاب الكامل من العراق إلى صيغة جديدة غير قتالية تبقي على جزء من قواتها في قاعدتي أربيل وعين الأسد غرب العراق بشكل مستتر، ما يجعلها قادرة على تقديم الدعم اللوجستي لقواتها في التنف والجزيرة السورية، بمعنى أن الملف السوري لم تتراجع أهميته للإدارة الأمريكية، بل هناك العديد من صناع القرار الأمريكي الذين يعتبرون أن أهميتها الجيوسياسية توازي تايوان وأوكرانيا، ولا ينبغي التخلي عنها في إطار صراعها مع الصين وروسيا وإيران بجعلها بؤرة ساخنة غير مستقرة جديدة لروسيا بعد أفغانستان، وفي منع التواصل مع إيران، وبالتالي مع الصين.