مجلة البعث الأسبوعية

36 شركة مساهمة عامة تربح حوالي 763.7 مليار.. هيئة “الأوراق المالية” تعترف بمقاومة إداراتها العليا والتفافها على بند ما تتقاضاه من رواتب وتعويضات

البعث الأسبوعية – حسن النابلسي

لعلّ أبرز ما يؤخذ على تقرير “حوكمة الشركات الخاضعة لإشراف هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية 2020-2021″، خلوه من تفاصيل تعويضات ومكافآت الإدارة العليا لهذه الشركات، والذي -على ما يبدو- أصبح “عُرفاً” فرضته هذه الشركات بقوة، وذلك بعد أن عُرضت رواتب مدراءها لمرة واحدة فقط في تقرير الهيئة عام 2009، ما أثار وقتها موجة من الجدل نظراً للفجوة الكبيرة بينها وبين رواتب نظراءهم في القطاع العام آنذاك من جهة، وما شكلته من أرقامٍ  فلكية مقارنة مع دخل السوريين في تلك الفترة من جهة ثانية.. ليغيب الإفصاح عنها في التقارير السنوية اللاحقة لاعتبارات لم يتم توضيحها من أية جهة كانت.. وقد تصدر قائمة الرواتب وقتها مدير تنفيذي لأحد البنوك الخاصة براتب شهري مقداره 1.772.393 ليرة سورية أي بما يعادل حوالى 35.5 ألف دولار وفق سعر الصرف الذي كان سائدا آنذاك، إضافة إلى تعويضات سنوية وصلت إلى 21.268.716 ليرة..!.

مرور الكرام

لم ينكر تقرير الهيئة الأخير هذا الغياب –وإن كان مرّ عليه مرور الكرام- إذ أشار إلى وجود مقاومة لدى إدارات الشركات لإضافة هذا البند في التقرير والالتفاف بوضع الأرقام الإجمالية دون تفاصيل، مبيناً أنه يتم الإفصاح عن تعويضات ومكافآت الإدارة العليا كأحد بنود تقارير مجالس الإدارة للشركات التي تم توزيعها على المساهمين في اجتماعات الهيئات العامة، كما يتم وضعه لدى غالبية الشركات ضمن بند التعاملات مع الأطراف ذات العلاقة وفق المعيار / 24 / من معايير المحاسبة الدولية، لافتاً إلى أن تعويضات الإدارة العليا تختلف تبعاً لقطاع الشركة وحجم أعمالها وطبيعة العقد الموقع مع أفراد الإدارة العليا.

الملاحظ من خلال تقرير الهيئة استمرار ارتفاع نسبة أعضاء مجالس إدارة هذه الشركات من غير الجنسية السورية رغم انخفاضه عن العام السابق، إذ بلغ عددهم 57 عضواً، أي بنسبة 24 % من إجمالي عدد الأعضاء، منهم 54 عضواً من جنسيات عربية و3 أعضاء من جنسيات أجنبية، في حين بلغ عدد أعضاء مجالس الإدارة من الجنسية السورية 183 عضواً أي ما نسبته 76 %، مقابل 184 عضواً من الجنسية السورية عام 2019، أي ما نسبته 74 % وبلغ عدد الأعضاء من الجنسيات الأخرى غير السورية 65  عضواً أي ما نسبته 26 % من إجمالي عدد الأعضاء منهم 62 عضواً من جنسيات عربية و3 أعضاء من جنسيات أجنبية، مع الإشارة إلى أن قطاع الخدمات جميع أعضاءه من الجنسية السورية.

متحفظ ولكن..!.

رغم أن أساس “الحوكمة” هو الشفافية وإظهار تفاصيل أداء الشركات وما تستثمره من أموال، إلا أن هناك نقاطاً اكتفى التقرير بعرضها وكأنها “عنواناً رئيساً” دون الخوض بتفاصيلها، إذ بين أنه من أصل الشركات الـ36 التي شملها التقرير جاء تقرير مدقق الحسابات برأي متحفظ حول البيانات المالية في 31 / 12 / 2020 في 9 شركات وهي “سورية والمهجر، بيمو السعودي الفرنسي، الائتمان الأهلي، بيبلوس، سورية والخليج، فرنسبنك، الشرق، MTN ، سيريتل” منها 7 شركات من قطاع المصارف كان التحفظ حول مخصصات الأرصدة الموجودة في لبنان، وشركتين من قطاع الاتصالات بما يخص اتفاقية الهيئة الناظمة للاتصالات، دون أن يوضح ماهية هذا التحفظ، تاركاً المجال واسعاً للتأويلات إن كان هذا التحفظ يرتقي إلى ارتكابات ما، أو ناجم عن سوء أداء، أم إلى غير ذلك..!.

وجاء تقرير المدقق مع التركيز على أمور هامة ضمن فقرات إيضاحية في 8 شركات من الشركات التي شملها التقرير “الوطنية للتأمين، المشرق العربي للتأمين، المتحدة للتأمين، الاتحاد التعاوني للتأمين، العقيلة للتأمين التكافلي، التجارية للصناعة والتبريد، اسمنت البادية، والشرق الأدنى لمنتجات الزيتون” وأعطى المدققون رأياً نظيفاً في 18 شركة من الشركات الـ36 التي شملها التقرير عام 2020 وذلك باستثناء شركة شام للصرافة باعتبار لم يتم نشر بياناتها المالية، مقابل في 2 شركات برأي متحفظ وجاء تقرير المدقق مع التركيز على أمور هامة ضمن فقرات إيضاحية في 6 شركات من الشركات التي شملها التقرير، وأعطى المدققون رأياً نظيفاً في 27 شركة من الشركات الـ35 في عام 2019.

الأرقام تتحدث

بالعودة إلى ما تضمنه التقرير الصادر عن هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية والذي 36 شركة مساهمة عامة موزعة على سبعة قطاعات تتصدرها المصارف بـ14 شركة، يليها التأمين بـ7 شركات، ثم الزراعة بـ4 شركات، والخدمات بـ3 شركات، وكذلك الصناعة بـ3 شركات، والصرافة بـ 3 شركات، وأخيراً الاتصالات بشركتين… فقد بلغ مجموع رؤوس أموال هذه الشركات ما يقارب 151.459 مليار ل.س في نهاية عام 2020 مقابل 138.321 مليار ل.س في نهاية عام 2019، علماً أن عدد الشركات المساهمة العامة الخاضعة لإشراف هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية هو 53 شركة، وتم اختيار هذه الشركات الـ36 التي تعد أكثر التزاماً بمتطلبات الهيئة فيما يتعلق بممارسات الحوكمة، وتضم كافة الشركات المدرجة في سوق دمشق لأوراق المالية إضافةً إلى الشركات المرشحة لإدراج.

وبحسب التقرير فقد بلغ مجموع حقوق المساهمين في هذه الشركات 1.414.123 مليار ل.س في نهاية عام 2020 مقابل 631.890 مليار ل.س في نهاية عام 2019، وبلغ مجموع الموجودات لكافة الشركات التي شملها التقرير ما يقارب 6.245.948 مليار ل.س في نهاية عام 2020 مقابل 3.067.758 مليار ل.س في نهاية عام 2019، وبلغت أرباح هذه الشركات ما يقارب 763.741 مليار ل.س في نهاية عام 2020 مقابل 114.093 مليار ل.س في نهاية عام 2019 ، حيث أن أغلب الشركات حققت أرباح صافية في نهاية عام 2020 وذلك مع الأخذ بعين الاعتبار ارتفاع سعر الدولار خال عام 2020 ليصبح 1,256 ل.س مقابل 436 بنهاية عام 2019. وبلغ مجموع العاملين في مجمل الشركات ما مقداره/ 12,479 / عاماً في نهاية عام 2020 مقابل / 12,814 / عاماً في نهاية عام 2019.

مساهمون

يبلغ مجموع عدد مساهمي الشركات الـ36 التي شملها التقرير95,299 مساهماً في نهاية عام 2020 مقابل 94,536 مساهماً في نهاية عام 2019 أي بزيادة بلغت نسبة 0.8 %. فيما يبلغ عدد المساهمين الاعتباريين 284 مساهماً في نهاية عام 2020 مقابل 290 مساهماً في نهاية 2019 أي بنقص بلغ نسبة 2%، وهو ما يعادل 0.3 % من إجمالي عدد مساهمي الشركات التي شملها التقرير، ويتراوح العدد ما بين 137 مساهماً في قطاع المصارف 11 مساهماً في قطاع الخدمات، بينما لا يوجد أي مساهم اعتباري في شركات الصرافة. وأشار التقرير إلى أن متوسط عدد المساهمين من الشخصيات الاعتبارية يبلغ ما يقارب 8 مساهمين في إجمالي الشركات التي شملها التقرير. فيما يبلغ متوسط ملكيات الشخصيات الاعتبارية ما يقارب 46 % في إجمالي الشركات التي شملها التقرير مقابل 54 % للمساهمين الطبيعيين وتتراوح نسبة الاعتباريين ما بين 93 % في قطاع الاتصالات 39 % في قطاع الخدمات.

كبار المساهمين

بين التقرير أن عدد كبار المساهمين الذين يملكون 5% أو أكثر من رأس المال بلغ 135 مساهماً في إجمالي الشركات التي شملها التقرير لعام 2020 مقابل 138 مساهماً في عام 2019 أي بنقص بلغت نسبة 2%. فيما يبلغ متوسط عدد المساهمين الذين يملكون 5% أو أكثر 4 مساهمين في إجمالي الشركات التي شملها التقرير ويتراوح هذا المتوسط ما بين 9 مساهمين في قطاع الصرافة و1 مساهم في قطاع الخدمات. مشيراً إلى أن متوسط ملكية أكبر مساهم تبلغ 35 % لإجمالي الشركات التي شملها التقرير وتتراوح هذه النسبة ما بين 11 % في قطاع الصرافة و57 % في قطاع الاتصالات.

وأوضح التقرير أنه من أصل الشركات الـ 36 يوجد 6 شركات يسيطر فيها مساهم واحد على حقوق التصويت، وفي 7 شركات يسيطر مساهمين اثنين على حقوق التصويت وفي 3 شركات يسيطر ثلاثة مساهمين على حقوق التصويت وكذلك في 4 شركات يسيطر أربعة مساهمين على حقوق التصويت ويسيطر خمسة مساهمين في 5 شركات مقابل 11 شركات يسيطر فيها ستة مساهمين أو أكثر على حقوق التصويت.

توزيعات

بالرغم من الصعوبات التي فرضتها الأزمة الحالية على الشركات المساهمة وعلى أدائها استطاعت الشركات التي تنتهج سياسات التوزيعات السنوية المحافظة على نسب توزيعات ثابتة تقريباً خال سنوات الأزمة وخاصةً في قطاعات التأمين

والاتصالات والصناعة، مع ملاحظة بأن أغلب الشركات هذا العام اتخذت قرار توزيع الأرباح نقدية وزادت الشركات التي توزع الأرباح بنسبة 29 % عن العام السابق، مع الإشارة هنا إلى أن بنك قطر الوطني، واسمنت البادية، قاما بتوزيع أرباح لأول مرة.

المسؤولية الاجتماعية

كان تقرير الهيئة –حقيقة- واضحاً لدى تناوله المسؤولية الاجتماعية لهذه الشركات، إذ بين أنه لا يوجد سياسات واضحة ومعبر عنها للمسؤولية الاجتماعية في 12 شركة من الشركات التي شملها التقرير عام 2020، مقابل  11 شركات بعام 2019، لافتاً إلى أنه يوجد لدى جميع الشركات التي شملها التقرير سياسات واضحة للسلامة المهنية للعاملين فيها، تهدف إلى الحفاظ على سلامة العاملين والتعامل مع الحالات الطارئة، وخاصةً بعد ارتفاع مستويات المخاطر في بيئة عمل هذه الشركات خلال الأزمة، منوهاً بأن محاور سياسات المسؤولية الاجتماعية في الشركات المساهمة السورية تختلف تبعاً لطبيعة أنشطة الشركة والقطاع الذي تنتمي له، إضافةً إلى تطور المستوى التنظيمي لديها.

واعتبر التقرير أن الأزمة أثرت بشكل واضح في ممارسات المسؤولية الاجتماعية للشركات لتغير أولويات الشركات وقيامها بضغط كبير لنفقاتها، معتبراً أنه وعلى الرغم من وجود سياسات المسؤولية الاجتماعية لدى 24 شركة من الشركات التي شملها التقرير إلا أن تطبيقات هذه السياسات خلال العام اقتصرت على عدد ضئيل من الشركات، إذ تتوزع ممارسات المسؤولية الاجتماعية خال عام 2020 ما بين رعاية الأنشطة والأحداث الاجتماعية في 8 شركات والتبرعات والمنح في 11 شركات مقابل عام 2019 ما بين رعاية الأنشطة والأحداث الاجتماعية في 11 شركات والتبرعات والمنح في 12 شركات. كما أنه يوجد ممارسات مسؤولية اجتماعية بيئية في 19 شركة، تتمثل في استخدامات الطاقة البديلة وتحقيق شروط السلامة البيئية، مقابل عام 2019 في 20 شركة.

وبين التقرير أن الاهتمام بمفاهيم المسؤولية الاجتماعية للشركات وتطبيقاتها ازداد مع تطور نظريات الشركة التي فرضت رؤية جديدة لموقع الشركة المساهمة في المجتمع وعلاقاتها المختلفة مع العديد من الأطراف أصحاب المصالح فيها، حيث أن تفاعل الشركة مع هذه الأطراف وحرصها على حماية حقوقهم أصبح من محددات نجاح الشركة من خلال اقتسام المكاسب وتوزيعها على أكثر من طرف الذي ينعكس في خلق قيمة أكبر للشركات التي تلبي حاجات الأطراف المختلفة، وهو ما تهدف الحوكمة إلى تحقيقه من خلال تعزيز مبادرات وسياسات المسؤولية الاجتماعية في الشركات، مع تزايد الاهتمام بالاستثمار، يرتفع الطلب على معلومات حوكمة الشركات والمسؤولية الاجتماعية والبيئية من الشركات، من الممكن أن يؤدي الإفصاح السليم عن هذه المسائل تأكيد على وجود الشفافية والإدارة الفعالة ويؤدي إلى تحسين قدرة الشركة وزيادة الفرصة على اجتذاب أكبر عدد من رؤوس أموال ومستثمرين.