علي صافية طوّع حبّة الأرز ليصوغ لوحات فنيّة مذهلة
البعث الأسبوعية- يارا ونوس
في تلك المدينة الوادعة سلمية.. واحة الثقافة والفن يقطن فنان مبدع، صاحب قدرات كبيرة، لاتحدّ خيالات إبداعاته حدود، يُحيل كل شيء إلى لوحة فنيّة.
استلهم من الطبيعة مواده، وأفكاره ليطوعها في أعماله وبأسلوبه الخاص صاغها إلى أشكالٍ منمنمة وتحف ولوحات فنية مذهلة.
الفنان الحرفي علي حسن صافية من مدينة السلمية تولّد دمشق ١٩٦٢، ترعرع وسط العاصمة، حائز على دكتوراه في علم الرقم وعلم الحرف ، يمتلك مواهب متعددة في الرسم، والموسيقا، التخطيط، التمثيل، أظهر موهبته في مجال الرسم منذ نعومة أظفاره، وكبرت معه، ورث حبه للرسم عن والده وأعمامه.
في بادئ الأمر كان والده يرسم لوحاته أمام ناظري ابنه ويضيف الرتوش هنا وهناك بقلم رصاصٍ ويعتّق اللوحة بالألوان، كلّ هذه الأمور حثّت الفنان صافية على الرسم وتطوير الذات إلى أن دخل المدرسة، وفي ذلك الحين كان مدرس الفنون في المرحلة الابتدائية يعتبره مفتاح الرسم والمرسم لبراعته في الرسم.
يقول علي صافية لعبت الوراثة دورٌ كبير في حبي للرسم، واهتمامي بالكلمة ومعناها والبُعد الخاص بها، ومن هنا استلهمت فكرة الكتابة على حبّات الأرز والقمح، وذرّات الغبار أيضاً.
وكما يقول كنت أنا أوّل من كتب على حبّة الأرز في العالم، ابتكرت فكرتها بعد أن رأيت قطعة أثرية قديمة في قصر العظم تتمثّل في حبّة قمح مكتوب عليها أبيات شعرية تعود للشيخ والعالم نسيب مكارم، وهي التي كانت مصدر إلهامي، ويضيف بعد ذلك علّمت هذا الإبداع لأكثر من ألف شخص، مبيناً أنّ الكثير حاولوا تقليده ممن دخل في نفس المجال دون جدوى، وأكد أنّ عدد قليل أتقن الحرفة بجدارة في فن الكتابة على حبتي القمح والأرز.
أربعون عاماً في هذا المجال يكتب بكل إحساسه ومشاعره دون ملل أو كلل، فالعمل لديه حالة علميّة وعمليّة، حوّل منزله لمتحف فني يعمل ضمنه لينجز إبداعاته التشكيلية.
كتب على القطع الصغيرة كالحبوب والحجارة والفخار والزجاج واستخدم كذلك بيوض الدجاج والنعام، وثّق القرآن الكريم ٢٨٧ مرّة على الحجارة وفسره بأكمله، كما وثّق إنجيل متّى ولوقا إضافة إلى كتابة علم البرزخ.
بنظر الفنان أنّ كل إنسان فيلسوف ولكن تختلف فلسفته حسب تجاربه في الحياة، وثقافته المتنوعة، وبرأيه أنه لابدّ من العطاء المستمر في أي مجال كان، وعدم الوقوف عند حدّ معيّن.
يُنجز عمله في منزله مستخدماً يديه دون الحاجة إلى ملقط خاص يمسك حبة الأرز، ودون الاستعانة بعدسة مكبرة أو نظارات معتبراً ذلك مكرُمة من ربّ العالمين.
وأوضح أنّ هذا العمل يحتاج إلى وقت وجهدٍ كبير، دقّة وتركيزٍ عالٍ، مع أخذ نفس عميق أثناء الكتابة، وأردف أنه ينجز عمله خلال ساعات النهار، وخاصة في ظل الظروف الصعبة للانقطاع الكهربائي الطويل.
وبالنسبة لإنجازاته يقول صافية حققت الشهرة العالمية حيث دخلت موسوعة غينيس للأرقام القياسية عام ١٩٩٧م بتدوين ١٠١ كلمة على حبّة أرز خلال خمس دقائق فقط، مستخدماً قلم رصاص، كما كتبت ٣٠٠٠ لغة على حبّة الأرز، و١٠٠٠ كلمة على حبّة القمح.
وقد قمتُ برسم ١٠٠ وجهاً على حبّات الأرز لشخصيات معروفة مثل دريد لحّام، نهاد قلعي، ياسين بقوش، ناجي جبر.
ورسمت ١٠٠منظراً طبيعياً في ساعة واحدة على ورق بقياس ١ ملم.
في كتاباته اعتمد على كافة الخطوط منها الديواني، النسخ، الكوفي، البغدادي، الحجازي..
وأنشأ الفنان الخط الدمشقي والذي ينبثق منه ١٠٠٠ نوعاً للخطوط يختلف كل خط عن الآخر، ويأتي على شكل جذع شجرة.
وعن مشاركاته قال أقمتُ أكثر من ٢٠ معرضاً فردياً في دمشق، إضافة لمشاركاته العديدة بمعرض دمشق الدولي، ومعارض التوثيق القومي.
وشارك بمعرض في مدينة السلمية، أما خارج القطر شارك بمعرض في لبنان بمشاركة ٦٠٠ فنان وخطاط من كافة دول العالم، ونال حينها المرتبة الأولى عن مشاركته بذرّات غبارٍ مدوّن عليها حكم ورسومات تعبيرية.
ونال العديد من الجوائز والشهادات التقديرية كالميدالية الذهبية من السيد الرئيس حافظ الأسد عام ١٩٩٧، وميدالية ذهبية وشهادة الوايبو بالإبداع والاختراع في جنيف، وأصبح رئيس الإبداع والاختراع الفخري الدائم في سورية.
حالياً يعمل الحرفي صافية على ابتكار طرق جديدة للكتابة وعلى مواد مختلفة لاعتبارها مصدر رزق له.