وليام وُردزوُرث وفجر الرومانسية
بزغَ فجر الرومانسية الإنكليزية عندما كتب الشاعر الإنكليزي وليام وُردزوُرث “مقدمة القصص الغنائية”، ومهّد فيها السبيل للخروج عن المسارات النيوكلاسيكية في الشعر ولتعريف الناس على هذا النوع الشعري الجديد، وتكلّل جهده حين نشر وصديقه الشاعر صموئيل كولريدج “القصص الغنائية”.
يبيّن وُردزوُرث في المقدمة شكل هذا النوع ومحتواه، فيؤكد في مستهلها على ضرورة إحداث ثورة في عالم الشعر بعد أن أمسى الشعر “الأوغسطي” مبتذلاً، وأبدى ضِيْقاً من إبعاد شعراء القرن الثامن عشر للشعر عن متناول العامة، وعقد عزمه على تحرير الشعر من قيود العقائد الكلاسيكية، وبدأ مع صديقه كولريدج بكتابة قصائد للناس من مختلف الطبقات، إذ كان يعدّ لغة الشعر “الأوغسطي” معقدة وغاية في التكلف، فارتأى لغة جديدة للشعر الرومانسي.
ورأى ووردوورث أن الشعر هو فيض عفوي للمشاعر الجيّاشة، وكانت شدّة المشاعر في نظره أهم من الشكل الشعري.
ولجعل الشعر قريباً من الحياة اليومية، أراد وُردزوُرث استخدام لغة العامة للتعبير عن الأحاسيس بصدق، لكنه تحدث عن انتقاء الألفاظ كون العامة يستخدمون لغة فظة وغير مهذبة، لذا لجأ إلى تنقية لغتهم الخشنة حتى تمسي صالحة للاستخدام في الشعر، وهنا يتبدى تناقض في آراء وُردزوُرث، فهو يفضّل انتقاء الألفاظ على اللغة المحكية الأصلية.
وفي هذا أبدى الشاعر توماس إليوت في كتاب “فائدة الشعر وفائدة النقد” اعتراضه على رأي وُردزوُرث، إذ لا يجوز للشاعر في نظر إليوت أن يحاكي لغة طبقة اجتماعية معينة، بل الأحرى به أن يمتلك لغة تميّزه. وطغى رأي إليوت على رأي وُردزوُرث بعد أن فشل الأخير في قصائد لاحقة باستخدام اللغة التي اختارها لشعره، إذ أمست لغة تميّز بها.
لكن تعاريف وُردزوُرث للشعر والشاعر مميزة، حيث يحاجّ بأن الشعر فلسفي أكثر من كونه فرعاً من فروع المعرفة، ويشبّه الشاعر بنبيّ حباه الله بمعرفة واسعة بالحياة وبالطبيعة. وفي حين عدّ شعراء النيوكلاسيكية عالم الشعر عالمَ خيالٍ، عدّه وُردزوُرث عالم الحقيقة، مؤكداً أن “تجليات الحقيقة الكلية” وحدها التي ترضي كل الناس، لهذا رفض الأسلوب الشعري المبتذل في العصر الأوغسطي.
ويختلف وُردزوُرث عن كتّاب النيوكلاسيكية في إيمانه بسيرورة الشعر، إذ رأى كتّاب النيوكلاسيكية أن عقل الشاعر مرهف الإحساس لكنه يسجّل الظواهر الطبيعية بدون تدخل أو إبداع، بيد أن وُردزوُرث عارض هذا الرأي بشدة، فعقل الشاعر في نظره يخلق نصف العالم الخارجي الذي يدركه بحواسه، وبالتالي فإن العالم الخارجي من صنع العقل البشري إلى حدّ ما، وبهذا يشدّد وُردزوُرث على أن عقل الشاعر والطبيعة الخارجية متشابكان ويعتمد أحدهما على الآخر.
كما تناول الخصائص الشائعة للشعر والعلم، ووضع الشعر في مرتبة أعلى من العلم لأن معظمه يعتمد على المخيّلة، ويرسم لوحة بهية تطلعنا على أن العلم يحتكم للعقل بينما يحتكم الشعر للقلب، لذلك لا تمتّع مسرات العلم إلا قليلين بينما مسرات الشعر متاحة للجميع، كما أن الحقيقة في العلم خاضعة للتغيير والشعر لا يعاني من هذا التهديد.
وخرج وُردزوُرث عن النظرية الكلاسيكية في الشعر حين أوصى بالتركيز على العواطف الجياشة، لكن لا يمكننا القول إن نظرية وُردزوُرث محقة تماماً، مع أن آراءه مبتكرة وخلّاقة، إذ أدّى رفضه للعقائد الكلاسيكية إلى خلق نوع شعري جديد يفضّل العواطف على العقل. ونتيجة لذلك ظهرت مجموعة من الشعراء الموهوبين، كما أن وُردزوُرث ساهم في الوقت نفسه في مجال النقد الأدبي. وإن عُدّ وليام بليك رائد الشعر الرومانسي، فإن وُردزوُرث وكولريدج هما أول الدعاة إليه، ومن الحكمة أن شكّل وُردزوُرث أرضية لهذا الشعر الجديد من خلال “مقدمة القصص الغنائية”.
علاء العطار