أوروبا رهينة الولايات المتحدة في أزمة أوكرانيا
عناية ناصر
اعترف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رسمياً باستقلال جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، ويرجع هذا إلى حدّ كبير إلى شعور روسيا بانعدام الأمن الناجم عن تداعيات الثورة الملوّنة عام 2014 في أوكرانيا بتحريض من الولايات المتحدة.
لقد أدّى توسّع الناتو باتجاه الشرق إلى تكثيف الصراعات الداخلية في أوكرانيا، وزيادة التوتر مع روسيا، وإلى تعقيد الوضع. وكانت الإدارات الديمقراطية الأمريكية متورّطة في الوضع في أوكرانيا، إذ لعب الرئيس جو بايدن، بصفته نائب الرئيس في عام 2014، دوراً أيضاً في الثورة الملوّنة جنباً إلى جنب مع جميع الدبلوماسيين الأمريكيين الحاليين والمسؤولين الأمنيين تقريباً. لذلك يعدّ الوضع في عام 2022 امتداداً طبيعياً للثورة الملوّنة لعام 2014، والتي لا يمكن القضاء على نتائجها في غضون أشهر.
إن الولايات المتحدة تلعب في الواقع بالورقة الأوروبية، حيث تأخذ الاتحاد الأوروبي “رهينة” وتجبره على البقاء في التحالف عبر الأطلسي، ولذلك يتوجّب على قادة القوى الأوروبية الكبرى التوصل إلى تفاهم مع روسيا، وإلا فإن أوروبا ستعاني من خسائر كبيرة. أما بالنسبة للصين فإنها تحترم تاريخ المنطقة المعقد، وتأمل ألا يتطوّر الوضع إلى كارثة وصراع جيوسياسي حاد بقيادة الولايات المتحدة، ولن تقف الصين مكتوفة الأيدي، بل ستدعم الأساسيات الاقتصادية لروسيا الناجمة عن العقوبات الغربية المحتملة. بالإضافة إلى ذلك، ستواصل الصين الدعوة إلى حل الأزمة عبر القنوات الدبلوماسية كما تفعل دائماً.
كانت أوروبا في صراع مستمر حول القضايا الإقليمية والعرقية لعدة قرون، وهو وضع فريد من نوعه ولم يتوقف حتى بعد الحرب الباردة. في السابق، تمّ تقسيم يوغوسلافيا السابقة من قبل الناتو بقيادة الولايات المتحدة، والآن تستخدم الولايات المتحدة الأزمة الأوكرانية لتقويض أمن روسيا، وبثّ الشقاق بين الصين وروسيا، لكن القادة الصينيين يدركون حجم اللعبة الأمريكية، لذلك لم ولن يتورطوا أبداً في المشكلات التاريخية لروسيا، بما في ذلك علاقاتها مع الدول التي أصبحت مستقلة بعد تفكك الاتحاد السوفييتي.
إن أزمة أوكرانيا معقّدة للغاية، وتحتاج هذه القضية التوصل إلى حلّ على أساس فهم التاريخ والواقع في آن معاً، فإذا تمّ تجاهل تاريخ المنطقة، فلا يمكن أن يكون هناك مسار صحيح للحل. إن الولايات المتحدة تلعب لعبة كبيرة بأقل التكاليف، في محاولتها لإبقاء أوروبا في حالة من الذعر للحفاظ على التحالف عبر الأطلسي ومبيعات الأسلحة، حيث أصبحت شركة “لوكهيد مارتن” إحدى أكبر الشركات الأمريكية في مجال الدعم العسكري، وأكبر مقاول دفاعي في العالم من حيث الإيرادات للسنة المالية 2014، وذلك بسبب الأوضاع المتوترة في أوكرانيا.
ورغم ذلك، تشكو الولايات المتحدة منذ سنوات من مستويات الإنفاق الدفاعي في أوروبا بسبب التأثير الكبير لمقاولي الدفاع الأمريكيين على الحكومة، لكن في نهاية المطاف يمكن القول إن الولايات المتحدة بحاجة إلى تحمّل المسؤولية الأكبر عن التوترات الحالية، ولن يتمّ كبح جماحها ما لم تتكبّد خسائر في اقتصادها.