“الدخان الأبيض” في فيينا يثير غضب الإعلام الصهيوني
محمد نادر العمري
على الرغم مما سرّبته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، نقلاً عمن وصفتهم بالمسؤولين الأمريكيين “القريبين من ملف التفاوض” مع الجمهورية الإسلامية، بأن “العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران قد يتحقق خلال يومين”، إلا أن هذه التصريحات تبقى مجرد أنباء إعلامية إن لم نشهد تدفق وزراء خارجية الدول المعنية للتوقيع على الاتفاق، كما حصل عام 2015، حيث مثل وصول وزراء الخارجية حينها الدخان الأبيض الذي ينبئ بالتوصل لاتفاق عام وشامل بعد حلّ النقطة الخلافية المتبقية والمتمثلة بآلية وطبيعة رفع العقوبات، ومع ذلك يمكن الاستدلال على اقتراب هذا الموعد كمؤشر رئيسي يتمثل فيما تعكسه وسائل الإعلام الصهيونية.
وغالباً ما تعكس وسائل الإعلام الإسرائيلية، كما مثيلاتها في الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، توجهين رئيسيين: الأول يتمثل باستخدام هذه الوسائل من قبل الأنظمة السياسية للترويج لسياستها الخارجية وتحديد معالمها، كما حصل قبل الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق، بعد أحداث 11 أيلول 2001، وكذلك ما تشهده وسائل الإعلام اليوم من تحريض دعائي استفزازي أمريكي وغربي على حدّ سواء للتصعيد ضد الاتحاد الروسي فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية.
أما التوجّه الثاني فهو ما تعبّر عنه هذه الوسائل من حالة الاضطراب في المواقف والعجز في السلوكيات، وإثارة المخاوف من الاتفاق النووي مع إيران، حيث لوحظ في الآونة الأخيرة إقدام وسائل الإعلام على الترويج لما سُمّي بـ”قلق إسرائيل” وغضبها من أي اتفاق نووي قد يحصل في فيينا، وخاصةً مع الإقرار بقدرة الإيرانيين العملية على حسم هذه المفاوضات لمصلحة دولتهم.
لذلك سارعت الإذاعة الإسرائيلية لنقل هذه الاعترافات المرّة من مصادر داخل حكومة الاحتلال الإسرائيلي، التي رأت أن “الجوهر اليوم بالنسة لحكومة الاحتلال بات ليس منع الاتفاق لأنها لم تستطع القيام بذلك، بل إيجاد حلّ بعيد المدى ثابت وشامل للتهديد النووي الإيراني”، وفق زعمها.
ويمكن الاستناد إلى ما نقلته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، من اعترافات سياسية مقرّبة من رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينت للإقرار بعجز الكيان عن الوقوف أمام استكمال الاتفاق أو الوصول إليه، حينما عنونت بأن “تأثير إسرائيل على مضمون الاتفاق المتبلور بين إيران والدول الكبرى يلامس الصفر”. بمعنى، ليس لدى “إسرائيل” اليوم قدرة على التأثير على بنود الاتفاق النووي الذي يتمّ النقاش بشأنه في فيينا، وهو ما يحمل دلالتين رئيسيتين: الأولى أن الاتفاق بات في متناول اليد وهناك شبه اتفاق على الخطوط العريضة. والثانية عجز الكيان الصهيوني ولوبياته وأدواته التأثيرية المختلفة في التهويل العسكري والحصار الاقتصادي والتهديد والوعيد والعهر الإعلامي وغيرها الكثير من هذه الأدوات لعرقلة الاتفاق.
ويعتبر ما نشره موقع “والاه” بأن التقدير في المؤسّسة الأمنية والعسكرية الصهيونية حول الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران سيكون سيئاً جداً لـ”إسرائيل”، حيث تشير التقديرات إلى أن رفع “العقوبات” عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية سيعيد الأموال المجمّدة لأرصدتها، وهو ما سيتيح لها تحسين واقعها الداخلي لتخرج من عنق الزجاجة، وتزيد من تمويل برامجها العلمية والعسكرية والنووية، ويحرّر دورها أكثر في المنطقة، ناهيك عن اضطرار دول الخليج للاعتراف بالاتفاق والدخول في حوار معها، ما يجعل من “صفقة القرن”، وخاصة الجانب المتعلق فيها بالتطبيع وإنشاء ناتو عسكري موجّه ضد إيران، مجرد طموحات مخيّبة للآمال الصهيونية.